تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مجالات البحث في التراث النحوي وأولوياتها]

ـ[أنا البحر]ــــــــ[15 - 11 - 2005, 03:35 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا مقال نافع مفيد لأهل الدراسات النحوية بعنوان مجالات البحث في التراث النحوي وأولوياتها للدكتور رشيد بلحبيب و أنقله هنا للفائدة ...

مقدمة:

في مفهوم التراث و الحاجة إلى ترتيب مجالات البحث فيه:

إن تراث الأمة - أيا كانت - هو جذورها، ونسيج وجودها، وهو قدرها وأساس رقيها، وهو جماع مقومات شخصيتها، ومن ثم، كانت الحاجة ماسة إلى ضرورة إحيائه والالتزام العلمي الواعي بتصفحه ودراسته، قصد فهم حاضر الأمة وتحديد الخرائط الدقيقة لمستقبلها.

وقد أصبح من المسلمات أن احترام الأمة لتراثها هو احترام لذاتها، والاستخفاف بالتراث هو الاستخفاف بالنفس، إذ الأمة التي لا تكف عن تحقير ذاتها في مقارنة مستمرة بالآخرين، شأنها في ذلك شأن الفرد، لا يمكن في أحسن الأحوال إلا أن يكون مقلدا كفؤا، ولكنه فاقد للقدرة على الإبداع (1)

لقد أفرزت مجتمعاتنا نفوسا من بني جلدتنا، تميل إلى احتقار الذات، والاستخفاف بالتراث، وتجد في ذلك لذة ونشوة، تعدل أو تفوق، تمجيدها للآخر والتغني به!

وهذا الميل في النفس إلى إنكار الإنسان لماضيه، مخالف لسنن الكون الفطرية التي جعلت في كل أمة ميلا طبيعيا للاحتفاظ بمقوماتها ومشخصاتها من لغة وعقيدة ... (2)

إن الصلة بين التراث الإسلامي والحريصين عليه صلة قديمة، وقد أدرك أصحابه أن الحفاظ عليه، حفاظ على المبادئ والقيم التي بنت عليها الحركة العلمية أسسها منذ عصر التدوين.

ومن هذا المرتكز دعوا إلى إحيائه وتطويره، وتوظيف ما يصلح أن يكون خيوطا تجعل تاريخ الأمة الحضاري سلسلة موصولة الحلقات، الأمر الذي يبعث في النفوس والعقول والقلوب إحساس الأصالة والعراقة، فيعين على التصدي لعظيم التحديات (3)

إن تراثنا الإسلامي يمتد بامتداد الأوطان شرقا وغربا، ويضرب في الأزمان ماضيا وحاضرا، ويختلف باختلاف المدارس تنظيرا وتطبيقا، وهو في كل ذلك متنوع كما وكيفا ... ومما لا شك فيه أن الغزارة والرحابة التي عليها هذا التراث - مع ترامي الأطراف واختلاف الأوطان وتباين المستويات - يحتاج إلى جهود جبارة قصد إحصائه، وإلى مثلها قصد تصنيفه ودراسته وتحديثه، ويحتاج فوق ذلك الجهد إلى التخطيط والابتعاد عن التلقائية! (4)

ولعل من آفات البحث في هذا التراث، بجميع فروعه، أنه يقوم على " منهج العثور" أو " الصدف "، وينأى عن التخطيط والعلمية، يتضح ذ لك بالنظر في مقدمات النصوص المحققة التي تروي لنا قصة الباحث مع المخطوط، التي قد تطول فصولها، وتتنوع أساليب التشويق فيها!

كما أن الناظر فيما تقذف به دور النشر ومراكز تحقيق النصوص، وتصفح فهارس الرسائل الجامعية وأعمال المحققين، يتبين له إلى أي حد يعاني هذا القطاع البحثي من الفوضى والتلقائية، و غياب المنهجية، واختلال في ترتيب الأولويات، إذ كثيرا ما نهتم بالفروع قبل الأصول، وبالجزئيات قبل الكليات، وبالمُختلَف فيه قبل المُتفق عليه! (5)

إلا أن هذا لا يعني أن حركتنا الفكرية لا تستفيد مما تنشره هذه اللجان أو الصادقون من الأفراد، ذلك أن كل ما ينشر هو بالقطع مفيد، لأنه يكشف عن صفحة من التاريخ الفكري لهذه الأمة، ولكن عندما تكون إمكانيات التحقيق، وبالذات إمكانية النشر محدودة، فلا بد أن يكون هناك الأهم فالمهم، فالأقل أهمية ... وعندما تكون حركتنا الفكرية التي نريد لها التقدم ... في حاجة إلى طاقة وزاد يعينها على إنجاز مهماتها الحضارية العصرية ... عند ذلك تبرز أهمية التخطيط وتتبدى لنا ضرورة حسن الاختيار (6)

إن مجالات البحث في تراثنا الحضاري كلها مطلوبة، ولا ينبغي أن يهمل أي جانب منها أو يؤجل، وإنما الواجب توزيع القوى والكفاءات على كل منها، وفق حاجات هذه المجالات من ناحية، أو وفق ما عندنا من قدرات من جهة أخرى!

ومن حق التراث علينا، أن نفقه أيّ القضايا أولى بالاهتمام، فتُعطى من الجهد والوقت أكثر مما يُعطى غيرها، وتوضع الأشياء في مراتبها، فلا يُؤخر ما حقه التقديم ولا ُيقدم ما حقه التأخير، ولا يُصغر الأمر الكبير ويُحقّر، ولا يُكبر الأمر الصغير ويُضخم، هذا ما يقضي به المنهج، وما تأمر به أحكام العقل المنظم

يمثل تراثنا النحوي - موضوع هذه المداخلة - جزءا من تراث الأمة العام، وكل ما يقال عن التراث إيجابا وسلبا، يصدق على أجزائه وحقوله المعرفية ومنها النحو، ومع أن أمهاتِ المصادر النحوية وعيونَها وموسوعاتِها، شاء الله لها أن ترى النور بنسبة عالية، إذا ما قورنت بغيرها، إلا أن ما بقي مما لم يظهر للوجود من العناوين، يدفع إلى القول إن هناك مهماتٍ جسيمةً تنتظر الإنجاز وَفق أولويات منضبطة ومنهج محكم، وقد رأيت أن أقسم هذه الأولويات إلى أربعة أقسام: (و هي أولويات تصدق على النحو كما تصدق على غيره من حقول المعرفة الإسلامية):

1 - أولويات في مجال التحقيق

2 - أولويات في مجال الدراسة

3 - أولويات في مجال النقد والمراجعة

4 - أولويات في مجال التطوير والتحديث

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير