تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}. فَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ قُبْحَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّهْيِ وَقَبْلَ إنْكَارِهِ عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا اسْتَفْهَمَ اسْتِفْهَامَ مُنْكِرٍ فَقَالَ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} أَيْ وَخَلَقَ مَا تَنْحِتُونَ.

قال شيخ الإسلام (11/ 682): " فَلَوْلَا أَنَّ حُسْنَ التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَقُبْحَ الشِّرْكِ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ لَمْ يُخَاطِبْهُمْ بِهَذَا إذْ كَانُوا لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا يُذَمُّونَ عَلَيْهِ بَلْ كَانَ فِعْلُهُمْ كَأَكْلِهِمْ وَشُرْبِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ قَبِيحًا بِالنَّهْيِ وَمَعْنَى قُبْحِهِ كَوْنُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لَا لِمَعْنَى فِيهِ ".

وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قُبْحِ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ الرَّسُولُ. كَقَوْلِهِ لِمُوسَى: ? اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى، فَقُلْ هَلْ لَكَ إلَى أَنْ تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ?. وَقَالَ: ? إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ?. فَهَذَا خَبَرٌ عَنْ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ مُوسَى وَحِينَ كَانَ صَغِيرًا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِرِسَالَةِ أَنَّهُ كَانَ طَاغِيًا مُفْسِدًا. وَقَالَ تَعَالَى: ? وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى، إذْ أَوْحَيْنَا إلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى، أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ?. وَهُوَ فِرْعَوْنُ فَهُوَ إذْ ذَاكَ عَدُوٌّ لِلَّهِ وَلَمْ يَكُنْ جَاءَتْهُ الرِّسَالَةُ بَعْدُ.

وَ أَيْضًا أَمَرَ اللَّهُ النَّاسَ أَنْ يَتُوبُوا وَيَسْتَغْفِرُوا مِمَّا فَعَلُوهُ، فَلَوْ كَانَ كَالْمُبَاحِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَالْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَكَفِعْلِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ مَا أُمِرَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ السَّيِّئَاتِ الْقَبِيحَةِ، لَكِنْ اللَّهُ لَا يُعَاقِبُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} {قَالَ يَا قَوْمِ إنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ?. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ ذُنُوبًا قَبْلَ إنْذَارِهِ إيَّاهُمْ. وَقَالَ عَنْ هُودٍ: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ

مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ إنْ أَنْتُمْ إلَّا مُفْتَرُونَ} {يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إنْ أَجْرِيَ إلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ} {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ ? فَأَخْبَرَ فِي أَوَّلِ خِطَابِهِ أَنَّهُمْ مُفْتَرُونَ. بِأَكْثَرَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ كَمَا قَالَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}. وَكَذَلِكَ قَالَ صَالِحٌ: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}. وَكَذَلِكَ قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فَاحِشَةٌ عِنْدَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُمْ. بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: مَا كَانَتْ فَاحِشَةً وَلَا قَبِيحَةً وَلَا سَيِّئَةً حَتَّى نَهَاهُمْ عَنْهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ}. وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ يَعْرِفُونَ قُبْحَ مَا يَفْعَلُونَ وَلَكِنْ أَنْذَرَهُمْ بِالْعَذَابِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ شُعَيْبٍ: {أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}. والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير