تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبوعبدالرحمن: هذه الجُمل لا تُحيل إلى معانٍ معروفة في دين الله، وإنما تحيل إلى معهود كلام الصوفية الاتحاديين الحلوليين الذين يأتي الحديث عنهم، ويحتال بعضُ الخيِّرين من العباد العلماء كأبي محمد إسماعيل نفسه باصطلاح بشري يعني معنى شرعياً؛ فيجعلون الاتصال اتصالاً بلطف الرب سبحانه بعبده المؤمن وحبه له إذا تقرَّب إلى ربه بالعبودية الكثيرة الخالصة، ولكن ماذا نقول عن إدراج حظ العبودية (الذي هو أفعال العباد في عبادتهم لربهم) في حق الربوبية الذي هو أفعال الله في عباده من الخلق والتدبير .. إلخ؟ .. والله لا أعرف لهذا معنى إلا اتحاد الرب والمربوب، وهو يؤكد هذا بالسياق؛ إذ تغرق نهايات الخبر الشرعي عن الله سبحانه في بدايات العيان للرب سبحانه الذي سيكون اتحاداً بِغَرَق حظ العبودية في حق الربوبية .. ثم ما هذا التعبير الشنيع الموحش عن أحكام الله الشرعية التي وصفها بِخِسَّة التكاليف؟ .. أتكون أحكام الله الشرعية التكليفية خسيسة؟ .. (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) .. ثم يؤكد الاتحاد ثالثة يطيِّ الأحكام الشرعية التعبدية في عين الأزل؛ فجعلوا ربهم محلاً لذوبان الخلق في الخالق تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، ثم إن الأزل ليست صفة شرعية توقيفية للرب سبحانه، ونهاية ما تدل عليه (سرمدية الزمن) الذي لا يتصورون له بداية ونهاية، وقد حققتُ هذا رداً على الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في بداية كتاب التوحيد من كتابي (الإكثار في شرح المحلى بالآثار)؛ فماذا قال العلامة العابد أبوعبدالله محمد بن أبي بكر ابن أيوب ابن قيِّم الجوزية (691 - 751هـ) سامحه الله - وبعض القوم يتعبَّد لله بتقليد شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله بتقليد محض، وتعصُّب أعمى كأنهما نبيان مرسلان معصومان من الخطإ؟ - .. لقد أجهد نفسه رحمه الله في كتابه (مدارج السالكين)؛ ليجد لمثل هذه البلاغم معنى شرعياً، وهذه المرة - مع وضوح الضلال وقطعيته - كان موقفه رخواً عفا الله عنه؛ فقال: ِِوفي هذا اللفظ قلق وسوء تعبير يَجْبُره حسن حال صاحبه وصدقه، وتعظيمه لله ورسوله .. ولكن أبى الله أن يكون الكمال إلا له، ولا ريب أن بين أرباب الأحوال وبين أصحاب التمكُّن تفاوتاً عظيماً، وانظر إلى غلبة الحال على الكليم عليه السلام لما شاهد آثار التجلي الإلهي على الجبل (إذن أهل الحلول يتجلى لهم الرب سبحانه!!)، كيف خرّ صَعِقاً؟ .. وصاحب التمكن صلوات الله وسلامه عليه لما أسْرِي به ورأى ما رأى: لم يصعق ولم يخر، بل ثبت فؤاده وبصره!! .. ومراد القوم بالاتصال والوصال اتصال العبد بربه، ووصوله إليه .. لا بمعنى اتصال ذات العبد بذات الرب كما تتصل الذاتان إحداهما بالأخرى، ولا بمعنى انضمام إحدى الذاتين إلى الأخرى والتصاقها بها؛ وإنما مرادهم بالاتصال والوصول إزالة النفس والخَلْق (6) من طريق السير إلى الله؛ ولا تتوهمْ سوى ذلك؛ فإنه عين المحال؛ فإن السالك لا يزال سائراً إلى الله تعالى حتى يموت؛ فلا ينقطع سيره إلا بالموت؛ فليس في هذه الحياة وصول يفرغ معه السير وينتهي، وليس ثَم اتصال حِسِّي بين ذات العبد وذات الرب؛ فالأول تعطيل وإلحاد، والثاني حلول واتحاد؛ وإنما حقيقة الأمر تنحية النفس والخلق عن الطريق؛ فإن الوقوف معهما هو الانقطاع، وتنحيتهما هو الاتصال .. وأما الملاحدة القائلون بوحدة الوجود فإنهم قالوا: (العبد من أفعال الله، وأفعاله من صفاته؛ وصفاته من ذاته)؛ فأنتج لهم هذا التركيب أن العبد من ذات الرب تعالى الله وتقدس عما يقولون علواً كبيراً .. وموضع الغلط أن العبد من مفعولات الرب تعالى لا من أفعاله القائمة بذاته، ومفعولاته آثار أفعاله، وأفعاله من صفاته القائمة بذاته، فذاته سبحانه مستلزمة لصفاته وأفعاله، ومفعولاته منفصلة عنه (7) .. تلك مخلوقة محدثة، والرب تعالى هو الخالق بذاته وصفاته وأفعاله؛ فإياك ثم إياك والألفاظ المجملة المشتبهة التي وقع اصطلاح القوم عليها؛ فإنها أصل البلاء، وهي مورد الصديق والزنديق؛ فإذا سمع الضعيف المعرفة والعلم بالله تعالى لفظ (اتصال وانفصال، ومسامرة، ومكالمة، وأنه لا وجود في الحقيقة إلا وجود الله، وأن وجود الكائنات خيال ووهم، وهو بمنزلة وجود الظل القائم بغيره) فاسْمَعْ منه ما يملأ الآذان من حلول واتحاد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير