نُكَتٌ .. ومُلَحٌ .. وفَوائِدٌ مِنْ أَخبَارِ المفَسِّرِين
ـ[أبو العالية]ــــــــ[02 - 06 - 07, 06:17 م]ـ
نُكَتٌ .. ومُلَحٌ .. وفَوائِدٌ مِنْ أَخبَارِ المفَسِّرِين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
إن النظر في كتب التراجم والسِّير عظيمة النفع، وعلى النَّفس كبيرة الوقع؛ ذلكم أنها وسيلة لغاية سامية، وطريق إلى مقاصد غالية، سيَّما وأنَّ ربط المسلمين بعلمائهم يدخل من أفضل الأعمال؛ كيف لا، والغاية المنشودة من جرّاء ذلك أن ينتفع العباد من العلماء؛ فينتفعون من عِلْمِهم، و هَدْيِهم، وسَمْتِهم، وأخلاقهم، ويعرفون شيئاً عن عبادتهم، وتعظيمهم لربهم؛ فهم بحق أولى الناس إلى أن يُلتفت حولهم، ويُقبل عليهم، لعلّ الله أن يكتب نجاة عبدٍ من عباده بسبب كلمة سمعها وانتفع بها من هؤلاء العلماء؛ فالله درُّهم؛ أعلى الله شأنهم، وأشهدهم مع ملائكته في توحيده، والذي من أجله كان إرسال الرسل؛ فقال عزَّ من قائل:
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران: 18)
وإني في هذا المقام مَثَلي كمثل الحافظ بنِ خلِّكان رحمه الله حين قال في كتابه الماتع الرائع " وَفَيَات الأعيان " (1/ 20)
" ولكن ذكرتُ جماعة من الأفاضل الذين شاهدتهم، ونقلتُ عنهم أو كانوا في زمني ولم أرهم "
ثم قال مبيناً الحكمة من ذلك فقال: " ليطَّلِع على حالهم من يأتي بعدهم "
وقال أحد المؤرخين:
" إنَّ أحسن ما يجب أن يُعتنى به، ويُلم بجانبه بعد الكتاب والسنة؛ معرفة الأخبار وتقييد المناقب والآثار؛ ففيهما تذكرة وتقلُّب الدهر بأبنائه، وتنبيه أهل العلم الذي يجب أن تتبع أثارهم، وتُدَوَّن مناقبهم وأخبارهم؛ فيجِدّ الطالب ليلحق بهم " (موسوعة أعلام القرن الرابع عشر والخامس عشر للحازمي (1/ 3))
وقال آخر: " إنَّ في ذكر تراجم العلماء وأحوالهم، ومناقبهم ومراتبهم فوائد نفيسة ومهمات جليلة "
وما كل هذا " إلا ليُقتدي بهم، ويُنسج على منوالهم، نسيج العلماء الفقهاء، مذكراً بمآثرهم وفضلهم، ومبيناً لمعالم القدوة في مسلكهم؛ ليكونوا منارات هدى، ومصابيح دجى، لما في سيرهم من آدابٍ، وعلومٍ، وفوائدَ، وأوابدَ، لا تجدها في الموسوعات ولا في المطوَّلات، ولما في مواقفهم من آثار خالدات، تحي القلوب وتشحذ الهمم ". (الجواهر الإكليلية في أعيان علماء ليبيا من المالكية للشريف (7))
وبعد هذا النقل:
فالحديث عن أهل العلم والعلماء والعناية بجانب حياتهم، وما فيه من العِبَر والدروس حديث ذو شجون؛ فمن أحوالهم نستفيد العِبر، ومن علمهم نستفيد الخبر، وما زال أهل العلم والعلماء في السلف والخلف يُصنِّفون ويُؤلِّفون في تراجم العلماء وأهل الفضل والمنقبة، بل لقد تنوَّعت تصانيفهم، وتلوَّنت مشاربهم في التأليف والكتابة.
فذا عالم يُؤلِّف عن مجموعة من العلماء في عصر من العصور.
وذاك يُسطِّر مصنفاً خاصاً كاملاً عن حياة عَلَمٍ من ا لأعلام.
وآخرُ ينفرد بتصنيف تراجمَ لعلماء برزوا في علوم خاصة؛ كالمحدِّثين، والفقهاء، والقضاة والقرّاء، وغيرهم، ومن طالع كتب السِّير والتراجم، يعلم صحة ما قيدته.
فمن الأول، " سير أعلام النبلاء " للإمام الحافظ الذهبي رحمه الله.
ومن الثاني، " العقود الدُّرِّية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيميّة " لتلميذه الحافظ محمد بن عبد الهادي الحنبلي رحم الله الجميع.
ومن الثالث؛ " ففي علماء القرّاء صنف الذهبي رحمه الله كتابه الموسوم " معرفة القراء الكبار "، وفي علماء الفقه من الفقهاء صنَّف العلماءُ، وتنوَّعت تصانيفهم؛ فتارة من جمع الفقهاء جملة وتفصيلا، وتارة من جمع علماء كلِّ مذهبٍ على حِدَةٍ.
فأبو الحسنات الَّلكْنَوي الحنفي رحمه الله صنَّف في علماء الحنفية في كتابه " الفوائد البهية في تراجم الحنفية "
ومن المالكية جاء ما صنَّفه القاضي عياض المالكي رحمه الله في كتابه " ترتيب المدارك وتقريب السالك لمعرفة أعلام مذهب الإمام مالك "؛ فأبدع فيه أيما إبداع.
والإمام السُّبكي الشافعي رحمه الله صنَّف في " طبقات الشافعية الكبرى ".
¥