[منهج الجصاص في كتابه أحكام القرآن2 - 2]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[17 - 06 - 07, 06:14 م]ـ
[منهج الجصاص في كتابه أحكام القرآن2 - 2]
الشيخ / سلطان بن فهد الطبيشي
بين الكاتب في العدد السابق منزلة الجصاص وكتابه، والمؤلفات في أحكام القرآن قبله، وأبان عن طريقته في تأليفه، وفي هذا العدد يكمل الحديث عن المأخذ على الكتاب بالتفصيل وما وُجّه إلى المؤلف من نقد في بعض أرائه.
موضع كتابه بين كتب أحكام القرآن:
لا شك أن كتاب أحكام القرآن للجصاص ليس الأول في هذا الباب، بل سبقه علماء إلى هذا الفن والكتابة فيه، لكن كتاب الجصاص امتاز بقوة استنباط مؤلفه من آيات الأحكام، مع ذكر اختلاف العلماء، ثم ينبسط في ذكر الأدلة بتوسع من الكتاب والسنة واللغة العربية والنظر، مع ما أمتاز به مؤلفه عن عقلية فذة وبراعة تامة في توجيه الأدلة، مما لا تجده عند غيره.
مع أن مكانة كتابه قد لا تتبين من خلال الكتب التي جاءت بعده؛ لعدة أمور منها:
1 ـ قلة انتشار الكتاب.
2 ـ تعصبه لمذهبه واستطراده له.
ومع ذلك، فإن الكتاب قد جمع في المسائل التي حواها وناقشها أدلة الأحناف فيها؛ حتى إنك لا تتعداه إلى غيره، وناقش أدلة المخالفين وفندها، وبين وهنها مع ثبوت بعضها، هذا يتبين من خلال هذه الرسالة في الباب الثاني. والكتاب أبرز الفقه الحنفي من خلال كتابه، وسد ثغرة للأحناف في هذا الباب.
وامتاز الكتاب بعدة مزايا:
1 ـ استيعابه لآيات الأحكام، حيث تعرض في كتابه لهذه الآيات، فبين خلاف السلف فيها.
2 ـ يبين خلاف العلماء في أحكام الآيات، ويذكر أدلة كل فريق.
3 ـ يذكر الأحاديث والآثار غالباً بالأسانيد، ويتكلم على بعضها.
4 ـ جمع أدلة الأحناف وحاول استيعابها؛ حتى إنك لا تتعداه إلى غيره في جمع أدلة الأحناف، وناقش كذلك أدلة المخالفين وفندها، وهذا في كل مسألة غالباً.
ومع هذا كله استفاد منه بعض المفسرين، حيث اعتمدوا على كتابه أو نقلوا منه فممن اعتمدوا عليه ونقلوا عنه منهم:
1 ـ الكيا الهراس في أحكام القرآن.
2 ـ الفخر الرازي في التفسير الكبير.
3 ـ ابن العربي المالكي، في كتابه «أحكام القرآن».
4 ـ القرطبي في الجامع لأحكام القرآن.
5 ـ وابن حجر في فتح الباري.
6 ـ والسيوطي في «الإكليل في استنباط التنزيل».
7 ـ والشوكاني في نيل الأوطار.
المآخذ على كتابه:
من يقرأ كتاب أحكام القرآن يرى فيه فوائد جمة: من تبويب، وتوسع في مسائل الفقه، ودقة واستنباط، وغير ذلك، ولكن لا يخلو هذا الكتاب من مآخذ ظهر لي منها:
1 ـ تكرار تسمية الأبواب، فمثلاً قال: باب التجارة في الحج في موضعين (1)، وباب بر الوالدين في موضعين (2).
2 ـ استطراده في بعض المسائل الفقهية البعيدة عن فقه الآية، فهو لا يقتصر في كتابه على ذكر الأحكام المستنبطة من الآيات، بل يستطرد في كثير من المسائل الفقهية، ويذكر الخلاف بين العلماء، مع ذكر الأدلة بتوسع كبير، وهذا الاستطراد كثيراً ما يكون إلى مسائل فقهية لا صلة لها بالآية إلا عن بعد.
فمثلاً نجده عندما عرض لقوله تعالى في سورة البقرة: (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) (البقرة:25) يستطرد لمذهب الحنفية في أن من قال لعبيده: من بشرني بولادة فلانه فهو حر، فبشره جماعة واحداً بعد واحد أن الأول يعتق دون غيره (3).
3 ـ تعصبه لمذهبه الحنفي:
الجصاص ـ رحمه الله ـ متعصب لمذهب الحنفية إلى حد كبير، مما جعله في كتابه هذا يتعسف في تأويل بعض الآيات حتى يجعلها تؤيد مذهبه، أو إنها غير صالحة للاستشهاد بها من جانب مخالفيه. والذي يقرأ الكتاب يلمس روح التعصب في كثير من المواقف، وهذا مع ظهور أدلة المذاهب الأخرى وصلاحها للاستدلال.
فمثلاً: عند تفسيره لقوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ) (البقرة:187) بين أنها تدل على أن من دخل في صوم التطوع لزمه إتمامه، مع أن الآية إنما هي في صوم الفرض (4).
4 ـ حملة الجصاص على مخالفيه:
لقد كان الجصاص ـ رحمه الله ـ شديداً على مخالفيه، مثل: الشافعي، ومع ذلك كان يترضى عنهم، فقال: قال أصحابنا والشافعي رضي الله عنهم (5). وأين الشافعي وإمامته من الجصاص الذي هو عالة وغيره على علم الشافعي.
¥