ولكن يؤخذ على الجشمي، والقاضي عبدالجبار عدم تمسكهما بما يذهب إليه المعتزلة: من أنه لا يطلق وصف الاعتزال على أحد منهم حتى يعتقد أصولهم الخمسة. يقول أبو الحسين الخياط المعتزلي: «وليس يستحق أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فإذ كملت في الإنسان هذه الخصال الخمس فهو معتزلي» (46).
ويؤخذ عليهما أيضاً: أنهما عدّا الخلفاء الراشدين ضمن الطبقة الأولى من طبقات المعتزلة؟ وكذا جعلا عدداً من الصحابة: كابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت .. وغيرهم. والطبقة الثانية ضمت: الحسن، والحسين، وابن المسيب… وغيرهم.
ثانياً: تعرضه لمسائل عديدة يخالف فيها المعتزلة ويتفق مع أهل السنة، ودفاعه عن أهل السنة والجماعة، ودليل ذلك جاء في كتابه «أصول الفقه» عن: القرآن كلام الله، ومرتكب الكبيرة، والوعد والوعيد… وغير ذلك.
ثالثاً: اتخاذه رأس شيخه أبي حنيفة في إنكار حقيقة السحر منبعاً، وليس من المعتزلة كما ذكر البعض.
رابعاً: مجرد إنكاره رؤية الله بالبصر، وزلته في هذا الجانب، لا تضفي عليه أن يُصنف مع المعتزلة؛ لأنها زلة صغيرة، لا يعتد برأيه فيها؛ لعدم وجود حجة له ولا دليل، ولا تكفي أن يصنف هكذا مذهبياً، وهو حنفي المذهب كما ذكرنا.
خامساً: أن الناظر في شيوخ الجصاص يلحظ أن بعضهم من المعتزلة مثل الحسن بن أحمد الفارسي، وعلي ابن أحمد التنوخي، ومحمد بن عمر الجعابي، ولا بد أن لهؤلاء الشيوخ أثر في أراء الجصاص فربما دُخل عليه من ذلك.
والحق يقال، إن الجصاص لم يأخذ برأي المعتزلة ـ وإن مال إليهم في بعض الجوانب ـ ولكنه حنفي، يتبع الإمام أبي حنيفة النعمان ـ رحمه الله ـ، فإن كان أبو حنيفة قد وافق المعتزلة في الرأي القائل: إن السحر خداع لا أصل له ولا حقيقة، فأصل هذا الرأي ـ عند الجصاص ـ جاء من تقليده لصاحب المذهب، ولم يكن برؤية المعتزلة المطلقة والله أعلم.
الهوامش:
(1) أحكام القرآن 1/ 386، 5/ 66.
(2) أحكام القرآن 3/ 155، 5/ 19.
(3) أحكام القرآن 1/ 36.
(4) أحكام القرآن 1/ 289.
(5) أحكام القرآن 1/ 135.
(6) أحكام القرآن 3/ 58.
(7) أحكام القرآن 1/ 186.
(8) ميزان الاعتدال 2/ 170.
(9) أحكام القرآن 1/ 140.
(10) ميزان الاعتدال 2/ 79.
(11) لسان الميزان 2/ 488.
(12) أحكام القرآن 2/ 95.
(13) سير أعلام النبلاء 5/ 38.
(14) تقريب التهذيب 281.
(15) أحكام القرآن 2/ 40.
(16) أحكام القرآن 5/ 83.
(17) أحكام القرآن 5/ 191.
(18) أحكام القرآن 5/ 280.
(19) أحكام القرآن 4/ 319.
(20) أحكام القرآن 1/ 87.
(21) في شرح العيون 391.
(22) فرق وطبقات المعتزلة للقاضي عبدالجبار 125.
(23) تراجم الرجال للجنداري 4.
(24) سير أعلام النبلاء للذهبي 16/ 341.
(25) التفسير والمفسرون 2/ 441.
(26) مناهج المفسرين 147.
(27) انظر هذه الكتب في الحاشية في أول ترجمته.
(28) أحكام القرآن للجصاص 1/ 29.
(29) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 1/ 102.
(30) أحكام القرآن 1/ 52.
(31) أحكام القرآن 1/ 60.
(32) مطبوب: أي مسحور، يقال: طب الرجل إذا سحر. (فتح الباري 10/ 239).
(33) مشط ومشاطة: المشط: ما يمشط به الشعر، والمشاطة: الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه. (فتح الباري 10/ 239).
(34) وجب: الجب: هو وعاء طلع النخل. (فتح الباري 10/ 240).
(35) بئر ذي أروان: هي بئر بالمدينة في بستان بني زريق. (فتح الباري 10/ 240).
(36) نقاعة: هي الماء الذي ينقع فيه الحناء. (فتح الباري 10/ 241).
(37) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، في «الطب» 10/ 232، باب «السحر» رقم 5763، ومسلم في صحيحه، في «السلام» 14/ 250، باب «السحر» رقم 2189.
(38) انظر في ذلك الجامع لأحكام القرآن 2/ 246، وفتح القدير 1/ 119.
(39) وهي قوله تعالى: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) (البقرة: 102).
(40) الجامع لأحكام القرآن 2/ 46.
(41) فتح القدير 1/ 121.
(42) أحكام القرآن للجصاص 3/ 4، 5.
(43) الحديث أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:" وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة" الفتح 8/ 179.
(44) معالم التنزيل للبغوي 2/ 166، 167.
(45) انظر: فرق وطبقات المعتزلة للقاضي عبدالجبار 214، وشرح العيون للجشمي 391.
(46) الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد لأبي الحسين الخياط المعتزلي 93.