من الطلقات الثلاث حتى الخلع، كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا الكلام في «نكاح الزانية» وفيه مسألتان «إحداهما» في استبرائها، وهو عدتها، وقد تقدم قول من قال: لا حرمة لماء الزاني. يقال له: الاستبراء لم يكن لحرمة ماء الأول، بل لحرمة ماء الثاني، فإن الإنسان ليس له أن يستلحق ولداً ليس منه، وكذلك إذا لم يستبرئها وكانت قد علقت من الزاني. وأيضاً ففي استلحاق الزاني ولده إذا لم تكن المرأة فراشاً قولان لأهل العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" فجعل الولد للفراش، دون العاهر. فإذا لم تكن المرأة فراشاً لم يتناوله الحديث، وعمر [ألحق] أولاداً ولدوا ولدوا في الجاهلية بآبائهم، وليس هذا موضع بسط هذه المسألة.
«والثانية» أنها لا تحل حتى تتوب، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار، والمشهور في ذلك آية النور قوله تعالى: "الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين" وفي السنن حديث أبي مرثد الغنوي في عناق. والذين لم يعملوا بهذه الآية ذكروا لها تأويلاً ونسخاً، أما التأويل: فقالوا المراد بالنكاح الوطء، وهذا مما يظهر فساده بأدنى تأمل.
أما «أولاً» فليس في القرآن لفظ نكاح إلا ولا بد أن يراد به العقد، وإن دخل فيه الوطء أيضاً. فأما أن يراد به مجرد الوطء فهذا لا يوجد في كتاب الله قط.
«وثانيها» أن سبب نزول الآية إنما هو استفتاء النبي صلى الله عليه وسلم في التزوج بزانية، فكيف يكون سبب النزول خارجاً من اللفظ!؟
«الثالث» إن قول القائل: الزاني لا يطأ إلا زانية، أو الزانية لا يطؤها إلا زان، كقوله: الآكل لا يأكل إلا مأكولاً، والمأكول لا يأكله إلا آكل، والزوج لا يتزوج إلا بزوجة، والزوجة لا يتزوجها إلا زوج، وهذا كلام ينزه عنه كلام الله.
«الرابع» أن الزاني قد يستكره امرأة فيطؤها فيكون زانياً ولا تكون زانية، وكذلك المرأة قد تزني بنائم ومكره على أحد القولين، ولا يكون زانياً.
«الخامس» أن تحريم الزنا قد علمه المسلمون بآيات نزلت بمكة، وتحريمه أشهر من أن تنزل هذه الآية بتحريمه.
«السادس» قال: "لا ينكحها إلا زان أو مشرك" فلو أريد الوطء لم يكن حاجة إلى ذكر المشرك فإنه زان، وكذلك المشركة إذا زنى بها رجل فهي زانية فلا حاجة إلى التقسيم.
«السابع» أنه قد قال قبل ذلك: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" فأي حاجة إلى أن يذكر تحريم الزنا بعد ذلك؟!
وأما «النسخ» فقال سعيد بن المسيب وطائفة من: نسخها قوله: " وأنكحوا الأيامى منكم ". ولما علم أهل هذا القول أن دعوى النسخ بهذه الآية ضعيف جداً، ولم يجدوا ما ينسخها، فاعتقدوا أنه لم يقل بها أحد قالوا: هي منسوخة بالإجماع، كما زعم ذلك أبو علي الجبائي وغيره. أما على قول من يرى من هؤلاء أن الإجماع ينسخ النصوص كما يذكر ذلك عن عيسى بن أبان وغيره، وهو قول في غاية الفساد مضمونة أن الأمة يجوز لها تبديل دينها بعد نبيها، وإن ذلك جائز لهم، كما يقول النصارى: أبيح لعلمائهم أن ينسخوا من شريعة المسيح ما يرونه، وليس هذا من أقوال المسلمين. وممن يظن الإجماع من يقول: الإجماع دل على نص ناسخ لم يبلغنا، ولا حديث إجماع في خلاف هذه الآية. وكل من عارض نصاً بإجماع وادعى نسخه من غير نص يعارض ذلك النص فإنه مخطئ في ذلك، كما قد بسط الكلام على هذا في موضع آخر، وبين أن النصوص لم ينسخ منها شيء إلا بنص باق محفوظ عند الأمة. وعلمها بالناسخ الذي العمل به أهم عندها من علمها بالمنسوخ الذي لا يجوز العمل به، حفظ الله النصوص الناسخة أولى من حفظه المنسوخة.
ـ[ Abou Anes] ــــــــ[16 - 04 - 02, 02:33 م]ـ
¥