قال النسائي: يزيد بن زريع من أثبت أصحاب سعيد بن أبي عروبة. و قال النسائي أيضاً: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثناابن أبي علية، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دخل في الصلاة رفع يديه، و حين ركع، و حين رفع رأسه من الركوع حتى حاذى فروع أذنيه.
و قال النسائي أيضاً: أخبرنا علي بن حجر، قال: أنبأنا إسماعيل، عن سعيد، عن قتادة، عن نصر بن عاصم الليثي، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه إذا كبر، و إذا ركع، و إذا رفع رأسه من الركوع حتى بلغتا فروع أذنيه.
فهؤلاء ثلاثة من الأئمة الأثبات رووا حديث سعيد بن أبي عروبة، و لم يذكروا ما ذكره عبد الأعلى من رفع اليدين إذا سجد و إذا رفع رأسه من السجود.
و أما حديث هشام الدستوائي، فقال ابن ماجه في سننه: حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا هشام، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يجعلهما قريباً من أذنيه، و إذا ركع صنع مثل ذلك، و إذا رفع رأسه من الركوع صنع مثل ذلك. فهذا يزيد بن زريع، و هو من الحفاظ الأعلام روى حديث هشام الدستوائي و لم يذكر ما ذكره معاذ عن أبيه من رفع اليدين إذا رفع رأسه من السجود.
و يزيد و معاذ ليسا سواء عند أهل العلم بالرجال. أما يزيد، فقال فيه ابن معين: ثقة مأمون. و قال أبو حاتم: ثقة إمام. و قال الإمام أحمد: ما أتقنه، ما أحفظه. و أما معاذ، فقال فيه: ابن معين صدوق، ليس بحجة. و قال ابن عدي: له حديث كثير، ربما يغلط، و أرجو أنه صدوق.
و بما ذكرنا يعلم شذوذ رواية ابن أبي عدي عن شعبة، و رواية عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة، و رواية معاذ بن هشام، عن أبيه. و مما يدل على شذوذ رواياتهم أيضاً ما رواه حماد بن سلمه و أبو عوانة عن قتادة.
فأما حديث حماد بن سلمة، فقال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه إلى فروع أذنيه، و إذا رفع رأسه من الركوع فعل مثله.
و أما حديث أبي عوانة، فقال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو كامل الجحدري، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، و إذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، و إذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك. و قد رواه الدارقطني في سننه: عن عبد الله بن عبد العزيز، عن أبي كامل فذكره بنحوه.
فهذا هو المحفوظ عن قتادة، ليس فيه ذكر رفع اليدين إذا سجد، و إذا رفع رأسه من السجود، و مما يدل على شذوذ الرواية بذلك أيضاً ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث خالد الحذاء، عن أبي قلابة أنه رأى مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – إذا صلى كبر، و رفع يديه، و إذا أراد أن يركع رفع يديه، و إذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، و حدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع هكذا.
فهذه الرواية المتفق على صحتها توافق ما رواه الأئمة الأثبات من حديث قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – و ترد ما شذ به من شذ عنهم. و العمدة في حديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه - على هذه الرواية، و على ما وافقها، و أيضاً فان الروايات التي فيها ذكر الرفع في السجود، و الرفع منه قد عنعنها قتادة، و هو مدلس، و هذه علة أخرى غير الشذوذ. و الله أعلم.
¥