تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مخالف لهدي الحيوانات.

الثاني أن قولهم ركبتا البعير في يديه كلام لا يعقل و لا يعرفه أهل اللغة و إنما الركبة في الرجلين، و إن أطلق اللتين في يده اسم الركبة فعلى سبيل التغليب. انتهى كلام ابن القيم – رحمه الله تعالى - و قوله هذا غير مدفوع، و استغراب المؤلف له هو المستغرب في الحقيقة.

و أما قول بعضهم أن ركبتي البعير في يديه و هو الذي نقله المؤلف عن لسان العرب و غيره فقد رده صاحب القاموس في كتابه سعر السعادة، و قال: الذي قال ركبة البعير في يديه وهم و غلط و خالف قول أئمة اللغة. و قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: ركبة بضم أوله و سكون ثانيه و باء موحدة بلفظ الركبة التي في الرجل من البعير و غيره.

و هذا القول من صاحب القاموس و ياقوت موافق لقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – و به يرد ما ادعي عليه من الإغراب و الله أعلم.

و لا يخفى على الصبيان الصغار فضلاً عن الرجال الكبار أن البعير إذا أراد البروك وضع يديه أولا ثم رجليه. و المصلي إذا قدم يديه على ركبتيه في السجود فقد برك كما يبرك البعير بلا شك. و إذا قدم ركبتيه على يديه عند القيام من السجود فقد قام كما يقوم البعير و كذلك من اعتمد بيديه على الأرض و رفع ركبتيه قبلهما، و إذا قام من التشهد الأول.

فهذا متشبه بالبعير عند قيامه، و الأول متشبه به عند بروكه، و كل ذلك منهي عنه و علة النهي التشبه بالبعير في هيئة بروكه، و هيئة قيامه، و سواء قيل إن ركبتي البعير في يديه أو في رجليه فلا عبرة بذلك، و إنما الاعتبار بالهيئة الفعلية. و من توقف فيما ذكرنا من التشبه فليشاهد البعير عند بروكه و عند قيامه و ليشاهد المقدم ليديه عند السجود، و المقدم لركبتيه عند القيام حتى يرى تمام المشابهة منهما للبعير.

و هذا مما يستدل به على وقوع الغلط فيما رواه الدراوردي من حديث ابن عمر و أبي هريرة – رضي الله عنهم – فأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فرواه الدارقطني في سننه من طريق الدراوردي عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه. و رواه الحاكم في مستدركه بنحوه. و قال: صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه.

و أما حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – فرواه أبو داود، و النسائي، و الدارقطني في سننهم من حديث الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة –رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، و ليضع يديه قبل ركبتيه. و قد اختلف الأئمة في الدراوردي فوثقه يحيى بن معين، و علي بن المديني، و قال أحمد كان معروفاً بالطلب، و إذا حدث من كتابه فهو صحيح، و إذا حدث من كتب الناس وهم. و كان يقرأ من كتبهم فيخطئ و ربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويها عن عبيد الله بن عمر. و قال أبو زرعة: كان سيئ الحفظ، و ربما حدث من حفظه السيئ فيخطئ. و قال النسائي: ليس به بأس، و حديثه عن عبيد الله بن عمر منكر. و قال أبو حاتم: لا يحتج به. و قال الساجي: كان من أهل الصدق و الأمانة إلا أنه كثير الوهم. و قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث يغلط. قلت: فلعل ما في هذين الحديثين من أغلاطه. و الله أعلم.

قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: و كان يقع لي أن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مما انقلب على بعض الرواة متنه و أصله، و لعله: " و ليضع ركبتيه قبل يديه ". و قال علي القاري: الذي يظهر لي و الله أعلم أن هذا الحديث آخره انقلب على بعض الرواة و أنه كان " و لا يضع يديه قبل ركبتيه ". و قال صاحب القاموس في سفر السعادة: في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وهم من بعض الرواة لأن أول الحديث ينقض آخره فإن البعير يضع يديه قبل ركبتيه حال البروك، و الذي قال ركبة البعير في يديه وهم و غلط و خالف قول آئمة اللغة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير