تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اعلم أن خلاصة أقوال أهل العلم وسلف الأمة في ذلك ما يأتي:

1 - أن الصلاة لا تجوز خلف الكافر الأصلي والكافر المرتد، ولا من أقيمت عليه الحجة بكفره عينا وشهد أهل العلم بذلك، وهذا بمثابة الإجماع.

2 - أن ترك الصلاة خلف المستور ومن لم تُعْرَف عقيدته بدعة، وأنه لم يقل أحد من السلف إنه لا يجوز الصلاة إلا خلف من عُرِفَتْ عقيدته.

3 - أن الصلاة جائزة ومشروعة خلف المبتدع الذي لم يُكَفَّرْ ببدعته (حسب الضوابط في الفقرة الأولى)، وأن هذا هو الذي جرى عليه سلف الأمة وعلماؤُها.

وإليك أقوال أهل العلم في ذلك:

45 - رأي الإمام البخاري رحمه الله في الصلاة خلف المبتدع.

قال: باب إمامة المفتون والمبتدع.

وَعَلَّقَ قَوْل الحسن: (صلِّ وعليه بدْعَتُهُ)، وأورد حديث عبيدالله بن عدي بن خيار: [أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو محصور فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج؟! فقال: الصلاة أحسنُ ما يَعْمَلُ الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم]. (صحيح البخاري كتاب الأذان 56).

واستدلاله بهذا الحديث موافق للترجمة تماماً، وذلك أن الخارجين على إمام الهدى عثمان بن عفان رضي الله عنه قد كانوا بُغَاةً أشراراً فُجَّاراً حصروا من اتفق المسلمون على خلافته، ونَقَضُوا عهده، ووثبوا إلى محرابه، وهو سلطانه محراب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد أجاز عثمان رضي الله عنه الصلاة خلفهم، بل أمر الناس بذلك خوفاً من تضييع الصلاة. ويبدو أن هذا هو رأي البخاري رحمه الله بدليل تعليقه قول الحسن رضي الله عنه.

46 - تحقيق الإمام ابن حجر في الصلاة خلف المبتدع.

وقد حقق الإمام ابن حجر رحمه الله معنى قول عثمان رضي الله عنه: [الصلاة خير ما يعمل الناس .... الخ] فقال:

"قوله (فإذا أحسن الناس فأحسن) ظاهرة أنه رَخَّصَ له في الصلاة معهم، وكأنه يقول: لا يضرك كونه مفتوناً، بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه، واترك ما افْتُتِنَ به، وهو المطابق لسياق الباب، وهو الذي فهمه الداودي حتى احتاج إلى تقدير حذف في قوله إمام فتنة، وخالف ابن المنير فقال: يحتمل أن يكون رأي أن الصلاة خلفه لا تصح، فحاد عن الجواب بقوله إن الصلاة أحسن، لأن الصلاة التي هي أحسن هي الصلاة الصحيحة، وصلاة الخارجي غير صحيحة، لأنه إما كافر أو فاسق. انتهى. وهذا ما قاله نصرة لمذهبه في عدم صحة الصلاة خلف الفاسق، وفيه نظر، لأن سيفاً روى في الفتوح عن سهل بن يوسف الأنصاري، عن أبيه: قال: كره الناس الصلاة خلف الذين حصروا عثمان إلا عثمان فإنه قال: من دعا إلى الصلاة فأجيبوه. انتهى. فهذا صريح في أن مقصوده بقوله (الصلاة أحسن) الإشارة إلى الإذن بالصلاة خلفه، وفيه تأييد لما فهمه المصنف من قوله إمام فتنة، وروى سعيد بن منصور من طريق مكحول قال: قالوا لعثمان: إنا نَتَحَرَّجُ أن نصلي خلف هؤلاء الذين حصروك، فذكر نحو حديث الزهري، وهذا منقطع إلا أنه اعتُضِدَ.

قوله: (وإذا أساءوا فاجتنب) فيه تحذير من الفتنة والدخول فيها، ومن جميع ما ينكر من قول أو فعل أو اعتقاد، وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة ولا سيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة، وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة، وفيه رد على من زعم أن الجمعة لا يجزئ أن تقام بغير إذن الإمام." (فتح الباري 2/ 222).

قلت: لعل الإمام البخاري رحمه الله كان يرى كفر الجهمية على الخصوص من سائر أهل البدع، وذلك لشناعة أقوالهم كما ذكر ابن المبارك أيضاً: (إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نحكي كلام الجهمية) أي: لبلوغه الغاية في إنكار معاني أسمائه وصفاته.

ولكن يجب أن يعلم أيضاً أن التجهم درجات، فربما وجد في التجهم من تأول بعض الآيات في الصفات، وقد يصل إلى النفي المحض، بل نفي النفي، ونفي الإثبات ممن يقول: لا أنفي ولا أثبت.

47 - موقف الإمام ابن تيمية في حكم الصلاة خلف المبتدع.

وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الصلاة خلف أهل البدع، فقال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير