تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن من العبادات ما يسقط وجوبه للعجز عنه إلى بدل: كواجب القيام في الصلاة، وكواجب الغسل من الجنابة،وواجب الوضوء في الصلاة وغير ذلك. ومنها ما يسقط إلى غير بدل كالطهارة في حق عادم الماء والتراب، وأمثلة ذلك معروفة، كما أن من العبادات ما تدخله النيابة، ومنها مالا تدخله النيابة،ودخول النيابة في العبادة وعدمه هو على حسب خفة العبادة في نفسها وعدمها، فإن العبادات المالية والمركبة منها ومن البدنية يسوغ فيها من النيابة ما لا يسوغ في العبادات البدنية المحضة، فالصلاة لكونها عبادة بدنية محضة لا تدخلها النيابة بحال. أما الصيام فجوزها أحمد في صوم النذر خاصة لخفته لكونه لم يكن واجباً في أصل الشرع، ومنعها فيما عداه.

وجوزه آخرون، وقول أ؛ مد: أقعد. والزكاة تدخلها النيابة فيجوز لزيد أن يؤدي من ماله زكاة مال عمرو بإذنه، فيكون كالوكيل له، كما يجوز لزيد أن يستنيب خالداً في تفرقة زكاته، والحج عبادة مركبة من مال وبدن فتدخله النيابة في رمي الجمار، وليس ذلك التضييق في شيء.

قوله: ورمي الجمال ليس من الشروط ولا من الأركان،وإنما غاية ما يقال فيه: إنه واجب من الواجبات يؤمر به مع القدرة وليس في تركه مع العجز دم، لأن الدم إنما يكون في ترك المأمور وفعل المحظور بالاختيار،وهذا لم يترك مأموراً بالاختيار ولا فعل محظوراً، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر العباس أن يستنيب في الرمي، ولا أن يجبره بدم، على أن مبيته مستلزم لترك الرمي، إذ لم ينقل عنه أنه رجع إلى منى بالنهار لقصد رمي الجمار، ومثله رعاة الإبل، فإنه لم يأمرهم باستنابة من يبيت مكانهم لأنه ممكن.

يقال: قول هذا الرجل: غاية ما فيه ـ يعني الرمي ـ أنه واجب.

هذه شنشنة أعرفها من أخزم، وتقدم في كلامه ما يبدو منه عدم اعتقاده وجوب الرمي، وبينا هنالك بطلانه.

وما صرح به من أن تارك واجب الحج عجزاً لا دم عليه، معللاً بأن الدم إنما يكون في ترك المأمور وفعل المحظور بالاختيار.

باطل، وجهل صرف، وذلك أن قاتل الصيد في الإحرام يجب عليه الجزاء قتله بالاختيار أو بغير الاختيار، وحالق الرأس تجب عليه الفدية إذا حلقه لعذر كما وقع لكعب بن عجرة، وفيه نزلت: ?فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك? () والمحصر يجب عليه ما استيسر من الهدي وهو لم يترك الواجب اختياراً.

وتقدم الجواب عن استدلاله على عدم وجوب الرمي على السقاة بقصة العباس، وأن قصته من أدلة وجوب الرمي. وعدم نقل رجوع العباس إلى منى بالنهار لرمي الجمار لا يدل على أنه لم يرجع للرمي، لأنه ليس مما تتوفر الهمم والدواعي إلى نقله، للاستغناء عنه بالعلم بأصل الوجوب الذي لا يسقط إلا بدليل صريح والمبيت بمكة لا يفوت الرمي، والمبيت بمنى يفوت على العباس سقايته، ومجرد رمي الجمار لا يفوت عليه سقايته، لطول زمن المبيت وقصر زمن الرمي، ولا مشقة على العباس في مجيئه في اليومين الأولين من أيام منى، فالجمع بين المبيت بمكة ورمي الجمار بمنى ممكن بدون مشقة.

ولا يوافق هذا الرجل على أن استنابة رعاة الإبل من يبيت عنهم ممكن، بل ذلك غير ممكن شرعاً، كما هو معلوم في موضعه.

قوله:وكما لا تجوز الاستنابة في الوقوف بعرفة، ولا مزدلفة،والحلق، ولا التقصير، ولا المبيت بمنى، فهذا منها. يقال: ليس في جواز الاستنابة في هذه المذكورات وعدمها ما يدل على المنع من الاستنابة في رمي الجمرات، فإنه مستفاد من دليل مستقل، معضود بالأدلة الدالة على جواز الاستنابة في أصل الحج، فإن بين واجب رمي الجمرات وغيرها من واجبات الحج فروقاً شرعاً معروفة، فلا يلزم من منع الاستنابة في بقية واجبات الحج منعها في رمي الجمرات. وبطريق الأولى الأركان، فإنه لا يلزم من منع الاستنابة فيها منع الاستنابة في الواجبات، فقياس الواجب على الركن باطل، إذ من المعلوم الفرق شرعاً بين العاجز عن الركن والعاجز عن الواجب، كما علم الفرق شرعاً بين تارك ركن الحج عمداً وتارك واجبه، وقياس واجبات الحج على واجبات الصلاة غلط ظاهر، لما بينهما من الفرق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير