قال الشيخ ابن عاشور بعد كلام بديع له في هذه الآية: ( ... وعليه فإن من لا يؤمن بالدلائل الواضحة التي هي آيات صدق لا يسعه إلاّ الافتراء لترويج تكذيبه بالدلائل الواضحة، وفي هذا كناية عن كون تكذيبهم بآيات الله عن مكابرة لا عن شبهة).
فمن الذي غض طرفه عن الحجج البينة، والدلائل الواضحة في فضل الإمام مالك – رحمه الله -؟ بل وذهب يخفي كل ما ورد في بيان علمه وفضله، ثم يأتي ببعض النقول المحرفة والمبتورة ليظهر الإمام بمظهر الضعف العلمي، ومعارضة السنة بدون إبداء عذر ... و ... ويتناول منه حتى بعض الأمور الشخصية التي لا تبحث في الكتابات العلمية، ومن الذي تحولت عنده الفضائل إلى مساوئ يعاب بها الإمام؟ ومن الذي ما فتيء يتحطط على الإمام تصريحا وتلويحا؟ ألست القائل في آخر نسخة من مقالك المفيد!!: ( .. ولعل السبب هو عدم خروجه منها، حيث لم يخرج لا لطلب علم ولا لجهاد ولا لرباط ... ).فما معنى هذا؟
من الذي أنكر كل الدلائل الواضحة، ولا زال مستمرا في تحريفه للكلم عن مواضعه لفظا ومعنى، أأنا أم أنت يا محمد الأمين؟ وبالتالي من تصدق عليه هذا الآية لو أنصفت، وأزحت عن عينيك ما بهما من غشاوة.
الآية الثالثة: قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}
وأرجو من إخواني أن لا يغفلوا عن أول هذه الآيات، فهي لا تفهم حقا إلا بها.
وللفائدة والتذكير أنقل سراعا ما قاله الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيره لهذه الآيات: (" ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " أي: إذا تكلم راق كلامه للسامع وإذا نطق ظننته يتكلم بكلام نافع ويؤكد ما يقول بأنه " ويشهد الله على ما في قلبه " بأن يخبر أن الله يعلم أن ما في قلبه موافق لما نطق به وهو كاذب في ذلك لأنه يخالف قوله فعله فلو كان صادقا لتوافق القول والفعل كحال المؤمن غير المنافق ولهذا قال:" وهو ألد الخصام "
أي: وإذا خاصمته وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب وما يترتب على ذلك ما هو من مقابح الصفات ليس كأخلاق المؤمنين الذين جعلوا السهولة مركبهم والانقياد للحق وظيفتهم والسماحة سجيتهم،" وإذا تولى " هذا الذي يعجبك قوله إذا حضر عندك " سعى في الأرض ليفسد فيها " أي: يجتهد على أعمال المعاصي التي هي إفساد في الأرض " ويهلك " بسبب ذلك" الحرث والنسل " فالزروع والثمار والمواشي تتلف وتنقص وتقل بركتها بسبب العمل في المعاصي " والله لا يحب الفساد "
فإذا كان لا يحب الفساد فهو يبغض العبد المفسد في الأرض غاية البغض وإن قال بلسانه قولا حسنا ففي هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص ليست دليلا على صدق ولا كذب ولا بر ولا فجور حتى يوجد العمل المصدق لها المزكي لها وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود والمحق والمبطل من الناس بسبر أعمالهم والنظر لقرائن أحوالهم وأن لا يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم
ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله إذا أمر بتقوى الله تكبر وأنف و " أخذته العزة بالإثم " فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين " فحسبه جهنم " التي هي دار العاصين والمتكبرين " ولبئس المهاد " أي: المستقر والمسكن عذاب دائم وهم لا ينقطع ويأس مستمر لا يخفف عنهم العذاب ولا يرجون الثواب جزاء لجناياتهم ومقابلة لأعمالهم فعياذا بالله من أحوالهم).
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: (وقوله تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم} أي إذا وُعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله، وقيل له: اتق اللّه وانزع عن قولك وفعلك، وارجع إلى الحق، امتنع وأبى، وأخذته الحمية والغضب بالإثم، أي بسبب ما اشتمل عليه من الآثام، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا تعرف في وجوه الذي كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا. قل أفأنبئكم بشر من ذلكم. النار وعدها اللّه الذين كفروا وبئس المصير} ولهذا قال في هذه الآية: {فحسبه جهنم ولبئس المهاد} أي هي كفايته عقوبة في ذلك).
¥