أما الشيخ الفهَّامة محمد الحسن ولد الددو فقد سُإل بحضرتي وسمعت منه بأذني قوله (عورة المسلمة أمام المسلمة كعورة الرجل مع الرجل ما بين السرة والركبة, بل للشافعي قول بأنها أمام محارمها الرجال من السرة إلى الركبة) قلت: ذكر الشيخ قولَ الشافعي لأحد الإخوة المستغربين من ذلك لا لأنه يقول به بل هو يرى أنها من السرة للركبة.
أقول: أظن أن هذا الشيخ يفتي من غير نظر إلى واقعنا وزماننا!! بل يسير في تقليد الأقوال السابقة!! وقد تقرر في الأصول: أن المقلد لا يجوز له أن يفتي!!
ومن القواعد العظيمة المقررة في الشرع المنزل: (سد الذرائع المفضية إلى الحرام)، ولا شك أن مثل هذه الأقوال تفضي إلى السحاق بالنسبة للنساء وإلى الزنا بالمحرمات بالنسبة للرجال، وفي أقل الأحوال: أنها تفضي إلى النظرات المحرمة، أي النابعة من شهوة ونحوها .. وهذا موجود في واقعنا، وقد حصل، ومن لا يعرفه فحرام عليه أن يفتي في هذه المسألة العظيمة المتعلقة بالأعراض، ولو كان ممن يشار إليه!! لأنه لا بد في الفتوى والحكم بالحق من أمرين:
أحدهما: معرفة الواقع، وتفاصيله، وأماراته، وقرائنه .. إلخ.
والثاني: معرفة حكم الله ورسوله في هذا الواقع؛ أي بعد معرفته (كما قال ابن القيم).
وفيما يلي فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الديار النجدية حول حدّ عورة المرأة أمام النساء والمحارم؛ وهذا نصها:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد كانت نساء المؤمنين في صدر الإسلام قد بلغن الغاية في الطهر والعفة، والحياء والحشمة ببركة الإيمان بالله ورسوله واتباع القرآن والسنة، وكانت النساء في ذلك العهد يلبسن الثياب الساترة ولا يعرف عنهن التكشف والتبذل عند اجتماعهن ببعضهن أو بمحارمهن، وعلى هذه السنة القويمة جرى عمل نساء الأمة ـ ولله الحمد ـ قرناً بعد قرن إلى عهد قريب فدخل في كثير من النساء ما دخل من فساد في اللباس والأخلاق لأسباب عديدة ليس هذا موضع بسطها.
ونظراً لكثرة الاستفتاءات الواردة إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حدود نظر المرأة إلى المرأة وما يلزمها من اللباس فإن اللجنة تبين لعموم المسلمين: أنه يجب على المرأة أن تتخلق بخلق الحياء الذي جعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الإيمان وشعبة من شُعَبِه، ومن الحياء المأمور به شرعاً وعرفاً تستر المرأة واحتشامها وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتنة ومواضع الريبة.
وقد دلَّ ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت وحال المهنة كما قال تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} الآية.
وإذا كان هذا هو نص القرآن وهو ما دلت عليه السنة فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ونساء الصحابة ومن اتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا. وما جرت العادة بكشفه للمذكورين في الآية الكريمة هو: ما يظهر من المرأة غالباً في البيت وحال المهنة ويشق عليها التحرز منه كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين، وأما التوسع في التكشف فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة هو أيضاً طريق لفتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها وهذا موجود بينهن، وفيه أيضاً قدوة سيئة لغيرهن من النساء، كما أن في ذلك تشبهاً بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى عليه ثوبين معصفرين فقال: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها). وفي صحيح مسلم أيضاً أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا). ومعنى (كاسيات عاريات): هو أن تكتسي المرأة ما لا يسترها فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل من
¥