تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي قوله سبحانه وتعالى: أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا [النور:1]: (الواو) للعطف، أي: كما أنزلناها فرضناها، وفَرَضَ الشيءَ بمعنى أوجبه، وقيل: فَرَضَ بمعنى قَطَع، ومنه فرضة السهم. وقوله: (فَرَضْنَاهَا) أي: أوجبناها، وهناك قراءتان: - (فَرَّضْنَاهَا): بالتشديد. - و (فَرَضْنَاهَا): بالتخفيف. واختلف العلماء رحمهم الله في المعنى: فقيل: (فَرَضْنَاهَا) أي: أوجبنا على العباد تحليل حلالها وتحريم حرامها، وهذا هو قول مجاهد بن جبر رحمه الله تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما. والقول الثاني في قوله: (فَرَضْنَاهَا) أي: بيَّناها وأوضحناها، وهو قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. وفي قوله تعالى: (فَرَضْنَاهَا) أي: فرضنا على العباد علمها، وقد اختار بعض العلماء رحمهم الله الجمع بين المعنيين، وهو قول الإمام ابن جرير الطبري رحمة الله عليه، فقد اختار أن قوله تعالى: (فَرَضْنَاهَا) المراد كلا الأمرين: أي أوجبنا على العباد إحلال حلالها وتحريم حرامها، وبيَّنَّا لهم فيها الأحكام والشرائع

وفي قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [النور:1]: تارةً يعبِّر القرآنُ بـ (أنْزَل) وتارةً يعبِّر بـ (نَزَّل)، قال بعض العلماء: هناك فرق بين قوله تعالى: (أنْزَل) وبين قوله: (نَزَّل)، فإن عُبِّر بـ (أنْزَل)؛ فالمراد به نزول الشيء كاملاً، وإن عُبِّر بـ (نَزَّل)؛ فالمراد به تجزئة الشيء ونزوله نجماً نجماً. وهذا هو اختيار طائفة من المحققين رحمهم الله. وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى نزول القرآن جملةً كما في قوله تعالى: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:166]، فعبَّر بـ (أنزل) في الجملة، وأما في التفصيل فقال: وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً [الإسراء:106]، فدل على أن (أنزل) للجميع، و (نَزَّل) للمنجم، وعلى ذلك قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، أي: أنزلناه كاملاً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وهو اختيار طائفة من العلماء والسلف رحمهم الله. يقول تعالى: (وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ).

يقول الله تبارك وتعالى: سُوْرَةٌ أَنْزَلْنَاهَا [النور:1]: السورة -في لغة العرب- للعلماء فيها قولان: القول الأول: أنها مأخوذة من الارتفاع، ولذلك سُمِّي السور سوراً لارتفاعه عن الأرض، قالوا: سميت السورة سورة لارتفاعها وعلو منزلتها، ولأن القارئ إذا قرأها وحصَّلها حصل مرتبة لم يكن أصابها من قبل، والعرب تصف بالسورة المنزلة العالية والمقام الشريف، ومنه قول النابغة يمدح النعمان بن المنذر ملك الحيرة في قوله: ألم تر أن الله أعطاك سورةً ترى كل مَلْكٍ دونها يتذبذب أي: أعطاك منزلة عالية ومقاماً شريفاً. والقول الثاني: أن السورة مأخوذة من السؤر، وسؤر الشيء بقيته وفضلته، ولذلك يقال: سؤر الدابة، أي: بقية شرابها، وأصل السؤر في لغة العرب: القطعة من الشيء، قالوا: سميت السور سوراً من هذا الوجه؛ لأنها قطعة من القرآن، ولأنها تقطع عن غيرها، وتفصل عن غيرها بالبسملة، وتصبح منفردة.

وقوله تعالى: سُوْرَةٌ أَنْزَلْنَاهَا [النور:1]: قرئت (سورةٌ) على: - أنها خبر لمبتدأ محذوف. - أو أنها مبتدأٌ خبرُه الزانية والزاني. فهذان وجهان للعلماء

يقول تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي [النور:2] الزانية: هي المرأة التي فعلت الزنا، والزاني اسم فاعل، أي: الرجل الذي فعل الزنا، والمراد بالزنا: جريمة من الجرائم التي كانت في الجاهلية، وما زالت في الإسلام، ومعناها في اللغة كمعناها في الاصطلاح؛ ولكن في الاصطلاح معنى يُضْبَط به الزنا يختلف عن المعنى العام الموجود في لغة العرب. وقوله الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]: هذه الآية فيها مسائل:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير