تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المسألة الأولى: دلت الآية الكريمة على ثبوت حد الزنا، وهو جلد كل من الزاني والزانية مائة جلدة؛ ولكن هذا الحد فيه تفصيل دلت النصوص الأخرى على بيانه، وهو أن مَن فعل الزنا لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون بكراً. والحالة الثانية: أن يكون ثيباً سواءً كان رجلاً أو امرأة. أما إذا كان بكراً، فقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن البكر إذا زنا فإنه يجلد مائة جلدة؛ ولكن اختلفوا؛ هل يجب تغريبه أو لا يجب تغريبه، وذلك على ثلاثة أقوال عند أهل العلم رحمهم الله: - فمذهب الإمام أحمد و الشافعي و داوُد الظاهري أنه إذا زنى الرجل البكر بالمرأة البكر فإنه يجب جلد كل واحد منهما مائة جلدة، ثم يغرب سنة كاملة عن أهله، واحتج أصحاب هذا القول بما ثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البكر بالبكر؛ جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب؛ جلد مائة والرجم)، وجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب جلد كل بكر مائة جلدة، وأوجب تغريبَه أيضاً، ولم يفرق بين الذكر والأنثى. - أما القول الثاني في المسألة: فقالوا: لا يجب التغريب أصلاً، لا على الرجل ولا على المرأة، وهذا هو قول الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه، وقال الإمام: إن الله عز وجل ذكر الجلد في القرآن ولم يزد على ذلك، فنحن نقتصر على ما ورد به النص في الكتاب، وأما حديث السنة فهو زيادةُ آحادٍ فلا يُعْمَل بها لئلا يكون ذلك من باب نسخ القطعي بالظني، وذلك لا يجوز. - القول الثالث في المسألة: أنه يجب تغريب الذكر ولا يجب تغريب الأنثى، وهذا هو قول الإمام مالك رحمه الله قال: إذا زنى الرجل أقمتُ عليه الحد مائة جلدة، وأغربه عاماً كاملاً عن أهله، وأما المرأة فإنه يجب جلدها مائة جلدة ولا تغرَّب، قال: أما الرجل فاحتج بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في قوله: (البكر بالبكر؛ جلد مائة وتغريب عام) أما الأنثى فإني أسقط عنها التغريب؛ لأنني إذا غرَّبتها فإنه لا يخلو الأمر من حالتين: إما أن أغرِّبها بدون محرم، فأخالف النص الذي ينهى عن سفر المرأة بدون محرم، في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا ومعها ذو حرمة)، وإن غرَّبتها مع محرمها؛ فإنني أعاقب بريئاً لا ذنب له -وهو محرمها الذي سيغرَّب معها- فعلى كلا الوجهين يقول بعدم التغريب لهذا. وأصح الأقوال -والعلم عند الله- وجوب تغريب الرجل والمرأة، وذلك لصريح حديث عبادة بن الصامت في صحيح مسلم الذي تقدمت الإشارة إليه. وبناءً عليه: فإن البكر إذا زنى وجب أن يقام عليه الحد مائة جلدة، ويغرَّب عاماً كاملاً. والسؤال: ما هو التغريب؟ التغريب: مأخوذ من الغربة، وأصله سفر الإنسان، وتغريب الزاني بمعنى أن يُبعد عن المكان الذي زنى فيه سنة كاملة، وهذا علاج حكيم أراد به الشرع قطع دابر الفساد، وتهيئة البيئة الصالحة للشاب أو الشابة الذي بلي بالزنا حتى يكون أدعى لتوبته، فإذا غُرِّب عاماً كاملاً قطع عن الفساد الذي عهده، وابتعد عن المكان الذي يحركه للفتنة.

المسألة الثانية: إذا عرفنا الحد الذي صُدِّرت به الآية، فمتى يُحكم بالزنا؟ يشترط في الحكم وإثبات الزنا: - أن يزني بامرأة ليست بزوجة له، ولا بملك يمين. - وأن يكون خالياً من الشبهة كما بيَّن العلماء رحمهم الله، ولذلك قال العلماء رحمهم الله في تعريف الزنا: هو الوطء في غير نكاح ولا شبهة نكاح ولا ملك يمين، فقولهم (هو الوطء) المراد به مجاوزة رأس العضو الذي يتحقق به الزنا، وقولهم (في غير نكاح) خرج وطء النكاح؛ لأنه مباح شرعاً، وقولهم (وغير شبهة نكاح) كأن يطأ امرأة يظنها امرأة له، وليست بامرأة له، أو يقع في شبهة يظنها حلالاً فإذا هي حرام عليه، كالأنكحة الفاسدة التي يتبين فسادُها بعد الوطء، فكل ذلك يدفع عنه الحد؛ لأن الشبهة توجب دفع حد الزنا عن الزاني لما ورد في الأثر من قوله: (ادرءوا الحدود بالشبهات) وهو حديث يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه ضعيفٌ رَفْعُه، بل هو موقوف على عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقولهم: (ولا ملك يمين) وهي الأمة التي يتسراها الإنسان؛ لأن ملك اليمين ليس من الزنا في شيء بل هو وطءٌ حلال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير