ويرمي الجمرات الثلاث في كل يومٍ من أيام التشريق كل واحدة بسبع حصيات مُتعاقبات، يكبر مع كل حصاة ويرميها بعد الزوال.
فيرمي الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، ثم يتقدم فيسهّل فيقومُ مستقبل القبلة قياماً طويلاً فيدعو وهو رافعٌ يديه.
ثم يرمي الجمرة الوسطى، ثم يأخذُ ذات الشمال فيسهّل فيقوم مستقبل القبلة قياماً طويلاً فيدعو وهو رافعٌ يديه.
ثم يرمي جمرةَ العقبةِ، ثم ينصرف ولا يقفُ عندها.
هكذا رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يفعل كذلك.
وإذا لم يتيسر له طول القيام بين الجمار، وقَفَ بقدر ما يتيسر له ليحصل إحياء هذه السنة التي تركها أكثرُ الناس، إما جهلاً أو تهاوناً بهذه السنة.
ولا ينبغي ترك هذا الوقوف فتضيع السنة، فإن السنة كلما أُضيعت كان فعلها أوكد لحصول فضيلة العمل ونَشِر السنة بين الناس.
والرمي في هذه الأيام ـ أعني أيام التشريق ـ لا يجوز إلا بعد زوال الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يَرمِ إلا بعد الزوال، وقد قال: «لتأخذوا عني مناسككم»: فعن جابر رضي الله عنه قال: «رمى النبي صلى الله عليه وسلّم الجمرة يوم النحر ضُحىً، وأما بعد فإذا زالت الشمس» رواه مسلم.
وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون.
ففي «صحيح البخاري» أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما سُئل: متى أرمي الجمار؟ قال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا.
وإذا رمى الجمارَ في اليوم الثاني عشر فقد انتهى من واجب الحج فهو بالخيار إن شاء بقي في منى لليوم الثالث عشر ورمى الجمار بعد الزوال، وإن شاء نفر منها لقوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
والتأخرُ أفضلُ لأنه فعلُ النبي صلى الله عليه وسلّم، ولأنه أكثر عملاً حيث يحصل له المبيت ليلة الثالث عشر، ورمي الجمار من يومه.
لكن إذا غربت الشمس في اليوم الثاني عشر قبل نفره من منى فلا يتعجل حينئذٍ لأن الله سبحانه قال: {فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فقيّد التعجل في اليومين، ولم يُطلق فإذا انتهت اليومان فقد انتهى وقتُ التعجل، واليوم ينتهي بغروب شمسه.
وفي «الموطأ» عن نافع أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: من غَرَبت له الشمس من أواسط أيام التشريق وهو بمنى فلا يَنفر حتى يرمي الجمار من الغد، لكن إذا كان تأخره إلى الغروب بغير اختياره مثل أن يتأهب للنفر ويشد رحله فيتأخر خروجه من منى بسبب زحام السيارات أو نحو ذلك فإنه ينفرُ ولا شيء عليه ولو غربت الشمس قبل أن يخرج من منى.
الاستنابة في الرمي:
رمي الجمار نسك من مناسك الحج، وجزءٌ من أجزائه، فيجب على الحاج أن يقومَ به بنفسه إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، سواءٌ كان حجه فريضة أم نافلة، لقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
فالحج والعمرة إذا دخل فيهما الإنسان وجب عليه إتمامهما وإن كانا نفلاً. ولا يجوز للحاج أن يُوكل مَنْ يرمي عنه إلا إذا كان عاجزاً عن الرمي بنفسه لمرضٍ أو كِبَر أو صِغَر أو نحوها، فيوكّل من يثق بعلمه ودينه فيرمي عنه سواء لقَطَ المُوَكل الحصا وسلمها للوكيل، أو لقطها الوكيلُ ورمى بها عن موكله.
¥