ونحنُ نبرأ إلى الله من أن نشابه هؤلاء القوم الذين ضلّوا عن سواء السبيل فغلوا في مشايخهم وأئمّتهم فأنزلوهم منزلة من لا ينطقُ عن الهوى بل غلا بعضهم فأنزلهم منزلة من أوحى إلى عبده ما أوحى!!
بل نحنُ نقول أنّ الإمام مالك وغيره من الأئمّة الكبار كأبي حنيفة والأوزاعي وابن المبارك والسفيانين والحمّادين والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهُوَيْه وابن تيمية وغيرهم بشرٌ مثلُنا فضّلهم الله علينا بالعلم والتقوى لا بالعصمة. فيجوز عليهم الخطأ كغيرهم من بني البشر ومن اعتقد خلاف هذا فقد أصيب في عقله!
من قال إنّ الشافعيَّ ومالكاً ... وأبا حنيفةَ ما لهم أخطاءُ؟
إن ظنّ أنّ إمامَهُ في عصمة ... فظنونُهُ كالرافضين هباءُ
أوَ ما درى أنّ ابنَ آدمَ عرضةٌ ... للوهم وهو الجاهلُ النَسَّاءُ
لم يعصم الرحمنُ إلا رُسْلهُ ... في كلّ ما أدَّوا فهُم أُمناءُ
(ديوان النصر للإسلام ص 78)
8) هل يمكن أن يجهل الإمام مالك حديثا ونعلمه نحنُ؟ هذا ينبني على ما قبله. فمن اعتقد أنّ الإمام مالك غير معصوم أجاب عن السؤال بنعم!
ومن اعتقد في الإمام مالك ما يعتقده الرافضة في أئمّتهم الإثني عشر والصوفية في أوليائهم و أقطابهم وأوتادهم أجاب بلا!!
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته الجليلة (رفع الملام عن الأئمّة الأعلام) - (ص10 وما بعدها، المكتبة العصرية، بيروت. تحقيق: عبد الله الأنصاري) - عشرة أسباب يكون وجود أحدها عذراً لمن قام به في مخالفة الحديث النبوي الصحيح.
فمنها: أن لا يكون الحديث قد بلغه، فإنه لا يمكن لأحد الإحاطة بالحديث النبوي جميعه. فقد خفيت بعض الأحاديث عن بعض الصحابة وغابت عنهم، فإذا جاز هذا الأمر في الصحابة الذين عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلّم جاز على الإمام مالك من باب أولى وبين الإمام مالك وبين وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم عشراة السنين!
ومنها: أن يكون الحديث قد بلغه ولكن لم يثبت عنده، أو اعتقد ضعفه خطأ.
أو نسيه.
أو لم يتفطن لدلالته عند الفتيا.
أو اعتقد أن لا دلالة فيه.
أو اعتقد أنه معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما خالفه فيه غيره ... إلى غير ذلك من الأعذار التي قد تصرفه عن العمل بالحديث النبوي وإن كان صحيحا في ذاته.
9) تعريف التقليد:
التقليد قبول قول المجتهد والعمل به.
وقال القفال في أول شرح التلخيص: هو قبول قول القائل إذا لم يعلم من أين قاله.
وقال الشيخ أبو إسحاق: هو قبول القول بلا دليل.
قال القفال: كأنه جعل قادة له. اهـ (تهذيب الأسماء لابن حزام 3/ 279 دار الفكر ط1 سنة 1996م)
فمن التعريف السابق يتبيّن لنا انّ التقليد ليس سبيلا إلى العلم ولا طريقا موصلة إليه ولأجل ذلك اتّفقت كلمة العلماء أنّ المقلّد جاهل وإن كان أعلم النّاس بمذهب من يقلّده!
9) الأئمّة والفقهاء والعلماء يذمّون التقليد والتعصّب المذهبي:
المذهبيةُ بدعةٌ خرقاءُ ... دهبَتْ ضحيّة حُمقها الدّهماءُ!
قال ابن عبد البرّ (ت463 هـ) في التمهيد (2/ 248 وزارة الشؤون الإسلامية المغرب سنة 1387 تحقيق مصطفى العلوي ومحمد البكري): ((وإنما دخلت الداخلة على الناس من قبل التقليد لأنهم إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينا يرد به ما خالفه دون أن يعرف الوجه فيه فيقع الخلل وبالله التوفيق)) اهـ
وما أعظم ما قاله الإمام ابن القيّم في حاشيته (6/ 362 دار الكتب العلمية ط2 سنة 1415هـ):
((وعياذا بالله من شر مقلد عصبي يرى العلم جهلا والإنصاف ظلما وترجيح الراجح على المرجوح عدوانا. وهذا المضايق لا يصيب السالك فيها إلا من صدقت في العلم نيته وعلت همته. وأما من أخلد إلى أرض التقليد واستوعر طريق الترجيح فيقال له ما هذا عشك فادرجي.)) اهـ
وقال الإمام أبو عثمان بن الحداد المغربي المالكي صاحب سحنون رحمهما الله تعالى: هو (أي تقليد الرجال والتزام أقوالهم والتعصب لهم) من نقص العقول أو دناءة الهمم! (انظر السير 14/ 206 مؤسسة الرسالة تحقيق الأرناؤوط والعرقسوسي)
وقال الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى (سبل السلام 4/ 118 وما بعدها دار إحياء التراث العربي ط4 سنة 1379هـ تحقيق محمد الخولي):
واستدلوا بالحديث على أنه يشترط أن يكون الحاكم مجتهدا.
¥