ألم تلاحظ كيف قام علماء المذاهب على بكرة أبيهم في وجه شيخ الإسلام " ابن تيمية " عندما نادى بتحريم شد الرحال الى قبور الأنبياء؟ ألم تر كيف تكرر الموقف - بحذافيره - مع الإمام المجدد " محمد بن عبدالوهاب " عندما طالب بهدم الأضرحة؟
نعم قامت قائمتهم وثارت ثائرتهم عندما خالف شيخ الاسلام رحمه الله تعالى مذهب جماهير العلماء فكانوا يفتون بذلك وعمل الناس على ذلك علماؤهم وعوامهم حتى ذهب شيخ الاسلام هذا المذهب وشذ بقوله عن الجمهور.
وبالمناسبة فإن مذهب الحنابلة بما أني متبع له فأقول: جمهور الحنابلة فضلاً عن المذاهب الأخرى على استحباب شد الرحل ودونك كتبهم خذها من أولها إلى أخرها قديمها وحديثها كلها على هذا المذهب الذي أسأل الله أن يهدي كل من خالف في ذلك من المتأخرين.
وتجدر الإشارة في هذا المقام أن أنبه لأمر ألا وهو:
أن شروط الاجتهاد المعتبر لم تتحقق في كل من خالف في هذه المسألة وهذا لكي يدرك كل من أراد الاستقلال والنظر في الكتاب والسنة أن العلماء لما ذكروا وجوب توفر شروط الاجتهاد التي ذكروها في كتب الأصول لم تكن عبثًا ولا مجرد تعبئة الكتب بها وإكثار الأوراق التي هي دأب أهل زماننا , من هنا تجد لماذا خالفوا فاستقلوا بالنظر فأتوا بغير المعتبر وتسببوا بأقوالهم هذه في إضرام فتنة وأمر مستطر.
وأما بناء الأضرحة فأسأل الله أن يسير الوقت المناسب لطرح هذه القضية التي هي بمثابة عقبة عند الكثير بل بعضهم جازم بأنها من مسائل العقيدة مع أنها من مسائل الفقه البحته وانظروا كلام الفقهاء فيها رحمكم الله.
من الذي نادى بتجاوز أفهامهم - رحمهم الله و طيب ثراهم -؟! بل نحن ننادي صباح مساء: " كتاب و سنة بفهم سلف الأمة ". و نكرر قول الإمام أحمد: " إياك أن تقول بقول ليس لك فيه إمام ". و نأكد على تحريم الخروج على إجماعهم - أي أئمة السلف - أو إحداث قول جديد لم يقل به أحدهم. بل نردد دائما: " فهم السلف أسلم و أعلم و أحكم ". فأين هذا مما تتهمنا به؟!
أليست دعوى الاجتهاد واطراح أقوال الرجال وعدم الجمود عليه هي خير برهان على مصادرة أفهامهم.
أنت أيها الأخ المحاور أجبني عندما تقول: لا نريد أن نلتزم أقوال إمام واحد ولا نحيد عن أقواله كأنه معصوم أو كلامه قرآنًا منزل.
أقول لك من قال لك بأن تلتزم بأقوالهم وعدم الخروج عنها فكل العلماء أتباع المذاهب خرجوا عن أئمتهم في مسائل. ولكن المسألة ومافيها يا أخي افهم أنت ومن يذهب مذهبك من الذي يخرج عن متابعته؟ ومتى يخرج؟ وعلى ماذا يخرج؟ أجبني.
ثمت مثال أوضح به المقصود:
مسألة ما اختلف فيها الفقهاء فإمامك قال بقول خالف فيه ما ذهب إليه الآخر فمالذي يجب عليك الآن أيها المتابع , يجب عليك أمور منها:
1 - إن كانت لك الأهلية التي تستطيع أن تعرف بها صحة الحديث وتوفرت لك شروط الاجتهاد التي تستطيع من خلالها أن تعمل النظر في النص وتستنبط من خلاله الحكم فلا تثريب عليك ولكن بشروط:
1 - تعلم أصول إمامك التي بنا عليه مذهبه لأنه ربما خالف الحديث الوارد بعض قواعد الامام التي من خلالها يحكم بصحة الحديث من عدمها.
2 - أن تكون على إحاطة بالسنة بحيث تدري إن كان هذا الحديث معارض بآخر أولا أو منسوخ أو مأول أو ترك العمل به لوجود علة لست أنت وغير يطلع عليها إلا من له من الآلة ما ذكرها المحدثون.
و لكن ما ننادي به هو أن التزام الإنسان بأقوال عالم واحد لا يحيد عنها , يأخذها كلها برخصها و عزائمها و لا يخرج عنها قيد أنملة مهما بدا له الدليل في خلافها: هو بدعة قبيحة , لو رآها مالك او الشافعي أو أحمد لاشتد نكيرهم على فاعليها , بل لربما أمروا بتعزيرهم كما أفتى الشافعي في أصحاب الكلام.
إذا كان اتباعك للإمام على أنه مجتهد وأن كلامه معتبر وهوالمؤهل للنظر واستنباط الحكم فاتبعاك له في بعض أقواله دون بعض بحجة أنه لا تلتزم بأقوال أحد الأئمة بحذافيرها هو تشهي وتلاعب وإلا فمالفرق في اتباعك له في بعض دون البعض الآخر إلا الهوى؟
¥