"وأكثر الناس ممن سمعنا قراءتهم أو بلغنا عنهم يلفظون بها على لفظ الإمالة المحضة، ويجعلون الفرق بين المحضة وبين بين رفع الصوت بالمحضة وخفضه ببين بين، وهذا خطأ ظاهر، فلا أثر لرفع الصوت وخفضه في ذلك ما دامت الحقيقة واحدة، وإنما الغرض تمييز حقيقة المحضة من حقيقة بين بين، وهو ما ذكرناه، فلفظ الصوت ببين بين يظهر على صورة اللفظ بترقيق الراءات، وقد أطلق العلماء على ترقيق الراءات لفظ بين بين فدل على ما ذكرناه، وإن كان الأمر في اتضاحه لا يحتاج إلى شاهد" ().
قلت: أما عندنا فقد اضطرب الأمر عند قرائنا في باب الإمالة لورش فتارة يقرأون له بالفتح في ذوات الياء سواء كان فيها راء أو لم يكن، وتارة يقرأون له بالإمالة غير مميزين بين مالا راء فيه وغيره، ثم هم إذا أمالوا فريقان: فريق يسرف في الإمالة إسرافا كبيرا فلا يفرق بين صغرى وكبرى، وإنما قرأ ورش بالكبرى في الهاء من "طه" لا غير كما تقدم.
وفريق يقرأ بإخلاص الكسر إلى حد قلب الألف ياء كما تقدم، ومنهم من يرقق الراء في نحو "نرى" ويتوارى" "والقرى" دون إمالة الألف، وإنما أميلت فتحة الراء تمهيدا لإمالة الألف بعدها، فإذا تركت إمالة الألف فما الموجب للترقيق؟
ونخلص من هذا إلى أن مذهب ورش في ذوات الياء التي فيها راء:
1 - الإمالة اليسيرة من طريق الأزرق، ولا يجوز له في الرواية غيرها.
2 - وأما مالا راء فيه فقد صح عنه الوجهان الفتح والإمالة.
3 - وثبت عنه الوجهان في المرسوم بالياء مطلقا من غير ذوات الرا سواء كان يائيا أو واويا في أصله، أو كان مجهول الأصل إلا ما استثناه ابن بري في قوله:
وفي الذي رسم يالياء عدا ** "حتى" "زكى منكم" "إلى" "على" "لدى"
وخرج ورش عن أصله في جواز الوجهين مما ذكرناه له مما لا راء فيه فاستثنى منه ما يلي:
- الألفات الواقعة من ذلك في رؤوس الآي وهي في فواصل عشر: سور فأمالها فيها إمالة يسيرة بين اللفظين قال ابن المجراد: نص على ذلك الحافظ وغيره" ().
والسور العشر هي طه والنجم والمعارج والقيامة والنازعات وعبس وسبح والليل والضحى والعلق، فهذه لا خلاف فيها عن ورش من طريق الأزرق أنها ممالة بين اللفظين سواء كانت من ذوات الياء في الأصل نحو هدى وهوى والمنتهى أم من ذوات الواو نحو العلى والضحى وسجى.
- واستثنى من فواصل الآي ما فيه هاء فأبقاه على حكمه الأول في ذوات الياء التي لا راء فيها وهو جواز الفتح والإمالة بين اللفظين.
قال أبو عمرو الداني في "كتاب رواية ورش من طريق المصريين": "واختلف أصحابنا في الفواصل إذا كن على ضمير مؤنت نحو فواصل "الشمس وضحيها" وبعض "النازعات" فقرأت ذلك بإخلاص الفتح من أجل أن الألف المنقلبة عن الياء لم تقع في ذلك طرفا وهو وضع في التغيير، وقرأته أيضا بين اللفظين لكون الضمير زيادة قال: ولا خلاف في قوله "من ذكريها" أنه بين بين من أجل الراء.
وقال في "إيجاز البيان": "وبالأول قرأت على أبي الحسن- يعني بالفتح، وقرأت على الخاقاني وعلى أبي الفتح ذلك بين بين كسائر الفواصل التي لا كناية مؤنث بعد الألف المنقلبة عن الياء فيها طردا لمذهبه في جميع ذوات الياء ().
3 - أصله في الألفات الواقعة قبل الراء المكسورة طرفا في الكلمة:
أجمل أبو الحسن بن بري هذا الأصل عنده فقال عاطفا على ما أخذ فيه بالإمالة بين اللفظين:
"والألفات اللاء قبل الراء
كالدار والأبرار والفجار مخفوضة في آخر الأسماء
والجار لكن فيه خلف جار
قال العلامة المنتوري في شرحه: "واعلم أن الكسرة في الراء لا تكون سببا في إمالة الألف في قراءة ورش إلا بثلاثة شروط:
1 - أن تكون متطرفة.
2 - أن تكون كسرة إعراب.
3 - وأن لا يفصل بينهما وبين الألف بعارض، وقد جمع الناظم هذه الشروط الثلاثة في البيتين الأولين، وعبر عن كسرة الإعراب في الراء بقوله "مخفوضة".
فإن كانت الراء متوسطة نحو "مارد" أو متطرفة وكسرتها كسرة بناء نحو "أنصاري"، أو متطرفة وكسرتها كسرة إعراب وقد فصل بينهما بساكن مدغم نحو "غير مضار" الأصل مضارر فأسكنت الراء ووقع الإدغام، فإن ورشا يقرأ ذلك وما أشبهه بالفتح" ().
¥