تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله (وهو شهيد) أي شاهد القلب حاضر غير غائب.

قال ابن قتيبة: (استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه)؛ وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير، وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله.

فإذا حصل المؤثر وهو القرآن؛ والمحل القابل وهو القلب الحي؛ ووُجد الشرط وهو الإصغاء؛ وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر: حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر.

فان قيل: إذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه فما وجه دخول أداة (أو) في قوله (أو ألقى السمع) والموضع موضع واو الجمع لا موضع (أو) التي هي لأحد الشيئين؟

قيل: هذا سؤال جيد والجواب عنه أن يقال:

خرج الكلام بـ (أو) باعتبار حال المخاطب المدعو، فإن من الناس من يكون حي القلب واعيه تام الفطرة، فإذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه وعقله على صحة القرآن وأنه الحق وشهد قلبه بما أخبر به القرآن، فكان ورود القرآن على قلبه نوراً على نور الفطرة؛ وهذا وصف الذين قيل فيهم: (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق)، وقال في حقهم: (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) [النور 35] فهذا نور الفطرة على نور الوحي؛ وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي---.

فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين معاني القرآن فيجدها كأنها قد كُتبت فيه، فهو يقرأها عن ظهر قلب.

ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد واعي القلب كامل الحياة فيحتاج إلى شاهد يميز له بين الحق والباطل ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وزكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الحي الواعي فطريق حصول هدايته أن يفرغ سمْعَه للكلام، وقلبَه لتأمله والتفكر فيه وتعقل معانيه؛ فيعلم حينئذ أنه الحق.

فالأول حال من رأى بعينه ما دعي إليه وأُخبر به.

والثاني حال من علم صدق المخبر وتيقنه وقال: يكفيني خبره؛ فهو في مقام الإيمان، والأول في مقام الاحسان؛ هذا قد وصل إلى علم اليقين وترقى قلبه منه إلى منزلة عين اليقين؛ وذاك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في الإسلام.

فعين اليقين نوعان: نوع في الدنيا، ونوع في الآخرة؛ فالحاصل في الدنيا نسبته إلى القلب كنسبة الشاهد إلى العين؛ وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة بالأبصار وفي الدنيا بالبصائر؛ فهو عين يقين في المرتبتين).

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[17 - 05 - 08, 01:40 م]ـ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أنزل إليه الكتاب المبين نبينا الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإني كنت قد شرعت قبل بضع سنوات في تأليف كتاب في بلاغة القرآن، وهو جمع لما يُنتقى من أقوال أهل الفن في هذا الباب، من المفسرين والبيانيين وغيرهم؛ ثم طال الكتاب ودخلت فيه فصول أخرى في التدبر وغيرها، ولم يزل حالي معه كذلك، إلى أن ضم فصولاً كثيرة وجدت بعضها يتعلق بخصائص القرآن وبعضها بأساليبه وتراكيبه وبعضها ببلاغته وبعضها بأصول تدبره وبعضها بغير ذلك، وصار الكتاب في الجملة - بحسب ما أراه - نفيساً حافلاً، ولكن عيبه أنه غير مبيض وغير محرر، وبقيت زمناً غير قصير أنتظر اجتماع فرصة من الزمن ونشاط من النفس وفراغ في البال لأهتبله في تبييض الكتاب ولكن ذلك - وإلى الله المشتكى - لم يحصل.

وقد بدا لي قبل مدة من الزمن أن أرفع هذا الكتاب - أعني مسودته - على الملتقى، عسى أن يجد فيه بعض أخواننا بعض ما ينفعه أو يسد له بعض حاجته، وترددت في ذلك كثيراً، ولكنني اليوم استخرت الله وقررت ذلك، لأنني أخاف أن يضيع الكتاب في بعض هذه الفتن التي يمر به بلدنا الجريح، والله المستعان.

وأنا إذ أفعل هذا فإنني أشترط على من ينقل من كتابي هذا شيئاً أن يتثبت في كل ما ينقله، سواء كان ذلك آية أو حديثاً أو نصاً لعالم أو باحث، وأرجو لمن نقل منه شيئاً أن لا ينسبه إلي سواء كان مما قلته ابتداءً أو مما نقلته عن غيري؛ وأرجو أيضاً أن لا يُنشر هذا الكتاب في أي موقع آخر.

وأسأل الله أن يوفقني إلى إكماله وتبييضه وأن ينفعنا به وأن يتقبله - على نقصه - إنه رؤوف رحيم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير