، قال مالك بن دينار: قرأت في التوراة: يا ابن آدم لا تعجز أن تقوم بين يديَّ في صلاتك باكياً، أنا الذي اقتربت بقلبك وبالغيب رأيت نوري؛ يعني ما يفتح للمصلي في الصلاة من الرقة والبكاء؛ ---؛ وهي [يعني الصلاة] نور للمؤمنين، ولا سيما صلاة الليل، كما قال أبو الدرداء: صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور ---.
وهي في الآخرة نور للمؤمنين في ظلمات القيامة وعلى الصراط؛ فإن الأنوار تقسم لهم على حسب أعمالهم؛ وفي (المسند) و (صحيح ابن حبان) عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة فقال: من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة؛ ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة---.
وأما الصدقة فهي برهان، والبرهان هو الشعاع الذي يلي وجه الشمس؛ ومنه حديث أبي موسى أن روح المؤمن تخرج من جسده لها برهان كبرهان الشمس، ومنه سميت الحجة القاطعة برهاناً لوضوح دلالتها على ما دلت عليه، فكذلك الصدقة برهان على صحة الإيمان؛ وطيب النفس بها علامة على وجود حلاوة الإيمان وطعمه---.
وسبب هذا أن المال تحبه النفوس وتبخل به فإذا سمحت بإخراجه لله عز وجل دل ذلك على صحة إيمانها بالله ووعده ووعيده، ولهذا منعت العرب الزكاة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقاتلهم الصديق على منعها؛ والصلاة أيضاً برهان على صحة الإسلام---.
وأما الصبر فإنه ضياء، والضياء هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق، كضياء الشمس، بخلاف القمر، فإنه نور محض، فيه إشراق بغير إحراق، قال الله عز وجل: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً) [يونس 5]؛ ومن هنا وصف الله شريعة موسى بأنها ضياء كما قال: (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين) [الأنبياء] وإن كان قد ذكر أن في التوراة نوراً كما قال: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) [المائدة]، لكن الغالب على شريعتهم الضياء، لما فيها من الآصار والأغلال والأثقال؛ ووصف شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها نور لما فيها من الحنيفية السمحة قال الله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) [المائدة]؛ وقال: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) [الأعراف].
ولما كان الصبر شاقاً على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفها عما تهواه كان ضياء؛ فإن معنى الصبر في اللغة الحبس، ومنه قتل الصبر، وهو أن يحبس الرجل حتى يقتل، والصبر المحمود أنواع، منه صبر على طاعة الله عز وجل؛ ومنه صبر عن معاصي الله عز وجل؛ ومنه صبر على أقدار الله عز وجل.
والصبر على الطاعات وعن المحرمات أفضل من الصبر على الأقدار المؤلمة صرح بذلك السلف، منهم سعيد بن جبير وميمون بن مهران وغيرهما---.
وأفضل أنواع الصبر الصيام فإنه يجمع الصبر على الأنواع الثلاثة لأنه صبر على طاعة الله عز وجل وصبر عن معاصي الله لأن العبد يترك شهواته لله ونفسه قد تنازعه إليها؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن الله عز وجل يقول: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به لأنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي؛ وفيه أيضا صبر على الأقدار المؤلمة بما قد يحصل للصائم من الجوع والعطش؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمي شهر الصيام شهر الصبر---).
ـ[شويمان السعدي]ــــــــ[29 - 05 - 08, 02:24 ص]ـ
بارك الله فيكم
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[08 - 06 - 08, 05:38 م]ـ
وفيك بارك الله.
36
اقتران الأسماء الحسنى ببعضها
وهذا المعنى تقدم ما يشبهه
قال العلامة أبو عبدالله محمد بن المرتضى اليماني في (إيثار الحق على الخلق) (ص214) في معرض بعض مناقشاته بعض المخالفين والمنحرفين:
(الوجه الرابع:
تدبرُ كتابِ الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ألا ترى إلى قوله تعالى (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً)، فعقَّب ذكر هذا العذاب العظيم بذكر موجِبه من عزته وحكمته التي هي تأويل المتشابه.
وكذلك قوله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم).
وكذلك قال عيسى عليه السلام: (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).
ولا يخفى ما في تأويل الحكيم بالمحكِم هنا من التعسف الباطل وما في التأويل من غير موجب من فتح أبواب البدع والمجاهل.
وفي هذه الآيات وأمثالها نكتة لطيفة في جمعه بين العزة والحكمة، وذلك أن اجتماعهما عزيز في المخلوقين، فإن أهل العزة من ملوك الدنيا يغلب عليهم العسف في الأحكام، فبيَّن مخالفته لهم في ذلك، فإن عظيم عزته لم يُبطل لطيفَ حكمته ورحمته، سبحان من له الكمال المطلق والمجد المحقق).
¥