تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا بد أن تصل تلك الناحية شعلة من الأضواء التي أرسلها عمر بن عبد العزيز إلى أفريقية سنة (100هـ) ليبثوا الدين في صدور الأفريقيين المتستظلين كلهم براية الإسلام، وما تثبت دين الإسلام إلا ببث لغته، وما استجد إذ ذاك من علوم الدين، ثم رأينا (سجلماسة) في القرنين الثالث والرابع مع (أغمات)، مزدهرتين بالعلوم، أو تقربان إلى الازدهار، وما بين سوس وبين هاتين المدينتين إلا ما بين الجيران الذين يكونون سواسية في المنافع والأفكار، ويظهر أنه ربما كانت سوس الشرقية منقسمة سياسيا بين أغمات وسجلماسة، بعد ضعف الأدارسة، الذين كانت سوس من أيالتهم.

فهناك عبد الله بن إدريس باني تامدولت ومُجدد أيكلي كما رأينا البورغواطيين قد امتدوا حينا إلى تلك الجهة حتى قيل أنهم وصلوا ماسة، [17] وكما كان هنالك في تارودانت بعض أحفاد () الأدارسة، رافعا لواء النحلة التي سميت فيما بعد: «البجلية» على حين أن جبال جزولة تُخالفها، وتتشبث بِما عند أهل السنة ()، أو ليس من المتبادر أن يكون بين هذه الفرق علماء دينيون، يقودون الأفكار، ويلقحونَها بالأدلة لكل فريق، ولا يكون ذلك إلا بتعاطي العلوم الموجودة إذ ذاك وأن بعض تعاط، وهؤلاء الجزوليون هُم من يظهر لنا أنَّهم أسلاف العلامة وجاج (445) ()، وبعضهم يقول إنه من إخوان السملاليين وأسلاف عبد الله بن ياسين «التامانارتي» الجزولي (451هـ)، فقد رأينا الأول ألقى جرانه في (أَجْلُو) من ضواحي (تزنيت) بعد ما تَخرج من (القيروان) وما كان ليسكن هناك، ويرفع رايته، ويقر به القرار -إن صحَّ أنه غريب عن هذه الديار- لو لَم يَجد من يعينه، ويتدعم به بنيانه من أهل البلاد، وهل يعين أهل العلم إلا أهل العلم؟ أو من كانوا عرفوه وعرفوا ما ينتج وراءه، كما رأينا الثاني ابن ياسين بعد ما مكث في (قرطبة) سبع سنوات، قد اختمرت في نفسه فكرة، ثم لَم يكد يسمع هيعة في الصحراء حتى كان أول طائر إليها، فكان من عمله ما كان.

ثم كان كل عمله راميا إلى تشييد العلم، وتقديم الفقهاء في كل شيء، ثم لَم ينس الفقهاء من جزولة عندما كانت الغنائم تدخل يده.

تأسيس مدرسة أكلو

تأسست مدرسة (أجلو) في أول القرن الخامس، وموقعها في ضواحي تزنيت، وهي أول مدرسة عرفها التاريخ إلى الآن في بادية المغرب، وكانت تُسمى: الرباط.

ويُسمى سكانها: مرابطين، وإن كان ما يعرفه التاريخ اليوم من الأولية، لا يدل على أنها هي الأولى في الواقع، فإن هناك بصيصا يتراءى منه أن حركة علمية موجودة مع مدرسة (وَجَّاج) هذه، وربما كانت قبلها، ولا حركة علمية بلا مدرسة، وكانت المساجد من قديم هي عين المدارس إن كانت فيها الدراسة، وقد قرأنا بين أخبار عبد الله بن ياسين: أنه [18] كان يسرب من غنائمه في الصحراء إلى الفقهاء في هذه الجهات، ولعل هناك عددا يوجدون مع شيخه وجَّاج ().

انطوت القرون الخامس فالسادس فالسابع فالثامن عن سوس، ولَم نر عنها ما يَدل على حَركة علمية واسعة تذكر عن سوس، ولولا أفراد سياسيون كابن تومرت، وصوفيون مذكورون في السادس فالسابع فالثامن؛ لَخيّم على سوس ما خيم عليها في الثالث والرابع، من ديجور () كثيف في نظر التاريخ، وصوفية ذلك العصر صوفية علمية غالبا، قلما يبرز واحد منهم ويذكر إلا إذا كان معه علم قليل أو كثير.

إن هناك بعض أفراد من أحفاد وجَّاج وسيدي وسَّاي وأسلاف الأغرابوئيين يذكر بعضهم () في السادس، أيُمكن أن لا يكونوا علماء، مع أن ذلك إرث جدودهم، وأبناء العلماء لا يبرزون ثانيا إلا بالعلم، ما داموا يظهرون مثل ذلك المظهر؟ أيكون أبو يَحيى الجَرْسِيفي (685هـ) وعمه سعيد بن النعمان (650هـ) وهما جليلان علما -خصوصا أولهما- وحدهما في السابع؟ مع ما تتموج به الأسْمار من انتشار العلم كثيرا في دائرتهما، حتى ليقال: إن هناك مدفنا لكذا وكذا () من البنات يَحفظن المدونة، فضلا عن الرجال، وهناك أيضا ما يُقال من أن سيدي وسَّاي أو أبناءه والركراكي هم من أوائل من زاولوا شرح المدونة في سوس. أيمكن أن تؤسس مدرسة أَزَارِيف في آيت حامد في الثامن () من غير أن نَحكم بأن هناك حركة علمية واسعة؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير