تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تلك مرتبة العالِم الجزولي، وذلك هو مقام الفقيه السوسي، فإنه يَجد من المنشطات من خطوته الأولى إلى المعارف، ما يُحفزه حتى يتوقل الذروة من كل مَجد، إن قدر له أن يكون من الأمْجَاد، ثم إنه مع ذلك كله لا ينسى أن يؤدي للعلم حقه، من التحقيق والتدقيق، بِما في إمكان فقهاء البادية، ثُم هُم مع ذلك ينصفون من يرون لَهم عليهم مزية، وأدركوا أن لَهم عليهم تفوقا، فيقفون عند رأيهم في نازلة تَختلف فيها الأنظار، وربما رفعوها إلى الحواضر؛ ليتيقنوا الْحَق من غيره، وفي رد الجرسيفي () أواسط القرن الثاني عشر ما يصرح بذلك الصراحة المتناهية.

إن الطبع السوسي سريع التطور في كل ميدان دخله، فكما أنه استحال الرجل العامل السوسي بين عشية وضحاها في هذا العصر تاجرا مزاحما لغيره من الفاسيين والإسرائليين والأجانب، كذلك كان في الميدان العلمي منذ دخله بِجد وولوع في القرن التاسع، فإنه قد يتكشف عن بحاثة رحالة باقعة، وهل عرفت من هو أبو موسى الجزولي، وابن الوقاد الرداني، وأبو يحيى الجرسيفي، ومُحمد بن إبراهيم الشيخ، وأحمد التِّيزرْكِيني، وابن سليمان الرداني، وأبو مهدي السكتاني، وعبد الله الووكدمتي، والعباسي، والحيضجي، ومُحمد بن سعيد المرغيتي، وعبد الله السكتاني المسكالي، وأحمد البوسعيدي، والهشتوكي أحْوزِي، وعشرات فعشرات [29] أمثالَهم، في تلك القرون اندفعوا فَخالطوا في الميدان، ثُمَّ لَم يكن كل واحد منهم إلا مجليّا، تزخر ترجمته بِما تزخر به تراجم أقرانه من المغاربة الحضريين وغيرهم إذ ذاك وفي اليوم، واليوم أقرب ما يُقاس عليه أمس، طلع العصر الْحَديث، فلم تكد بارقة تومض في جو الحواضر حتى كان لسوس حظ من التفكير الْحَي الْمُتزايد مع الزمان، على حين أن نواحي من أطراف المغرب، كانت قبل مشهورة بالعلم كسوس أو أكثر؛ مثل درعة وتافيلالت، لزمت اليوم نوم عبود، فلا يسمع لَها ركز يدل على أن سلكا كهربائيا من التفكير وصلها.

كذلك تَمشت العلوم العربية في سوس تلك القرون متماسكة الْحَلقات متسلسلة تَحوطها جهود، وتبعثها قرائح، ويذكيها فكر وَقَّاد، ويَمدها الشعب والعرش بتنشيط مادي وأدبي عظيمين كما تقدَّم.

ومَحافل فاس ومراكش والأزهر ثم تَامْجرُوت والزاوية الدلائية في الأجيال قبل الأخيرة، تلقح الأفكار، وتأخذ بالمقاويد من النبغاء، حتى ينالوا قصبات السبق، ولَم يزل ذلك كله في شفوفه إلى أن ولى صدر القرن الثالث عشر، فدب إليه ذبول، وخالطه بعض فتور، بعد ما انقرض أصحاب الحضيجي، الذين كانوا وحدهم أساتذة التدريس الذي كثر النفع به، وكانوا آخر من درسوا كتبا وفنونا في سوس، ثُم لَم نر لَها بعدهم ذكرا.

شاء السعد أن لا تذبل الزهرة بِهذه السرعة، فأحيا ما أحيا بالْمَدرسة الهوزيوية، ثُم التِّيمجيدشْتِيَّة، واليعقوبية الإِيلالْنِيَّة، والجِشْتِيمِيَّة، والأدوزية، والحسينية الططائية، فأدركت بِجهودها أن تبقى الذماء في فنون أقل مما كان قبلها، وأن تنعش ثانيا الروح العلمية الملففة في روح التصوف، فرأينا تراجعا إلى الميدان الأدبي من المدرسة الهوزيوية، بأحمد وبالشاعر محمد بن أحمد بن إبراهيم صاحب (الديوان) ()، ثُم شاهدنا المدارس الْمُحمدية الْهشتوكية، والعمرية الْهشتوكية، والإِجْرَارِيَّة، والأدوزية، والبونعمانية، والبوعبدلية، والإيرازانية الراسلواديَّة، واليوفتركائية، والبوشواريَّة، ثُم الإلغية وأمثالَها، فقد زخرت بالعلوم، فرجع النشاط إلى الفقه والفرائض والْحِسَاب والنحو وعلم الأدب عند البعض في فنون قليلة غيرها، فأمكن للعلم العربي السوسي أن يتحرك ثانيا بعض التحرك، وأن يُحاول النهوض، لولا ما عراه من الخمود الساري على كل العلم العربي بالمغرب، منذ صدر الثالث عشر وكان للتيمكدشتيين في هذا الطور تاج [30] الفخار؛ فإنه لولاهم لَمَا رأينا هذه الْحَركة النشيطة، فقد رفعوا ثانيا أكثر من معاصريهم راية المعارف، فساقوا إليها بروح التنافس، وبسائق حفزهم إليها، ولولاهم لكنا نرى من انطفاء المعارف بسوس في أواسط الثالث عشر ما نراه في أواسط الرابع عشر، ولكن الله رحيم، فانتشر بِهؤلاء ما انتشر، حتى تَجاوزت أمواج علومهم التي يبثونَها الأطلس إلى قبائل الحوز، فتأسست من (1242هـ) مدارس: مزوضة وأبي السباع، وكدميوة، ومسفيوة، والرحامنة، وكل قبائل الحوز وما إليها ()،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير