تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كله من الصباح إلى المساء، ثُم لا يَخفى عنه () مِما يحتاج فيه إلى مراجعة إلا نَحو عشر كلمات، هذا ما أقصده؛ لأنني عرفت هذا وأدركته عيانا، وخالطت أربابه، ومارسته ولا شك أن هذا الذي ذكرته بِمثل ضرب هذا المثل دال لِمن أمعن النظر، وعرف كيف كان المغرب قبل الحياة الجديدة على سُمو وتمكن في النحو والتصريف واللغة؛ لأن التالي المطلق [41] لسانه بِجهر بين السامعين يَحتاج إلى هذه الثلاثة كلها، وإلى المرونة التامة فيها.

أمَّا التآليف في اللغة عند السوسيين؛ فلم أستحضر الآن من آثارها إلا ما ذكر من حاشية لأبي فارس الرسموكي على الصحاح الجوهري ()، ولكن هناك مؤلفات تدل على التمكن في هذا الفن، كشرح المقصورة المكودية للتازولتي التملي، وشرح المقصورة الدريدية للأسغركيسي الهشتوكي، وشرح الشمقمقية لأبي فارس الأدوزي قبل أن يظهر شرح ابن خالد الناصري، وشرح العبدونية أطلعنا على مفتتحه لِموسى الودريمي، وشرح الرسالة الزيدونية، وبعض قصائد المعلقات السبع لأبي فارس المذكور، وأمثال هذه لا يتصدى لَها إلا لغوي أو أديب ماهر كبير، وسيرى القارئ في مَبحث الأدب كتبا تدرس فتكون مادة كثيرة للألفاظ اللغوية للمعتنين بِها، كما أنه سيرى من آثار أولئك الأدباء ما يدل على ما ذكرناه من التمكن فيما يدل على ما ذكرناه من التضلع في اللغة، حتى إنهم ليتلاعبون بِها كأنهم من أبناء الشيخ والقيصوم، ومن حرشة الضباب في الصحراء، وهذه قصائد سوسية كثيرة تُتلى في مثل مجمع الإلغيين، فلا يتوقفون في أية كلمة، على حين أن غيرهم إن سَمعها فكثيرا ما يتوقف، ثم لا يستحي أن يقر بِجهله إن أنصف، وإنَّما يدرأ عنه عيب نفسه بالجهل بأن السوسيين مولعون بالألفاظ الحوشية.

إذا محاسني اللاتي أدل بِها

كانت مساوي فقل لي: كيف أعتذر؟

ثُم إذا قرأ الألفاظ الذي لا يعرفها من كلام شوقي أو عبد العزيز البشري أو شكيب أرسلان يبتلعها، ثُم لا يقابلهم بِما عسى أن يقابل به السوسي المسكين الذي تضلع من اللغة حتى صارت تفيض من أسلات يراعه بشعور أو بلا شعور، فهل هذا من الإنصاف؟

9 - البيان:

إن فن البيان والأدب كنتيجة للثلاثة المتقدمة قبلهما، وكزبدة تنتج عنها ولذلك لا نعجب إن رأينا عن كثيرين من أساتذتِهم عندما يترجمونَهم أنَّهم بيانيون، أو أنَّهم أدباء، ولكن لا نَخفي عن القارئ أننا لا نقدر أن نَحكم على كل نَحوي تصريفي لغوي بأنه بياني؛ لأن البيان وإن قلنا أنه كنتيجة عن تلك [42] الفنون، لا بد له وراء ذلك من سليقة روحية تُمازج صاحبها، فيمكن له أن يتذوق كلام البيانيين، وأن يستروح روائح نكهتهم الأرجة، ونشك في أن آثار العجمة كانت تزول عن غالبهم، حتى تلطف أذواقهم لِهذه اللطائف، فقد عرفنا منهم اليوم من هو نَحوي ماهر لغوي متمكن وقد قرأ التلخيص وتفهمه، ثُم إنه مع ذلك بَينه وبين تلك الروح ما بين السماء والأرض، ولكن رغم كل ذلك نَجد من بينهم من يظهر أنه بياني حقّا، ولا أدل على ذلك مثل من نراهم أدباء، رقاق الشعور، دقيقي الملاحظة، وأيّا كان فإن البيان كعلم من العلوم يتدارسونه، فمنهم من يتصف به، ومنهم من يتخذه كفن فقط، يستكثر به معلوماته، إلى أن جاء الجيل الذي قبل هذا فزعم بعضهم () أن غير الفقه والنحو ليس من بارود البلد -على حسب تعبيره- فيلقى غالبا تدريسه ظهريا، ولكن وجدنا آخرين لَم يلقوه ظهريا، كابن مسعود الذي له من بنات قلمه في البيان تآليف، وكالإلغيين الذين نرى بينهم من يتخلق به ذوقا ودراسة () كما يظهر من أدبياتِهم، وكالأدوزيين الذين كانت أيضا من قلم قطبهم في الجيل قبل هذا مُحمد بن العربي آثار فيه حسنة، متنا وشرحا، وقد كان هذا الفن مزدهرا في العصر الإيليغي () فرأينا فصاحة وذلاقة لسان كما سيلمس مِمَّا سيأتي عن الأدب السوسي عن قريب.

والْمُحصل أن البيان كان يدرس في (التلخيص) حتى رأينا بعضهم ينظمه، وفي (الجوهر المكنون) ولأبي سالِم الإجراري كتابة عليه، كما تدرس الاستعارة الكيرانية التي كتب عليها العربي الأدوزي، وابن المحفوظ السملالي، كما كان لابن مسعود مؤلف فيه شرحه الحسن الإجراري، ولابن العربي الأدوزي مؤلف شرحه في علم البديع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير