تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لَها فيما نعلم، ولا كان لَها ما كان لَها بعد هذا الحين من الشفوف، والاصطباغ بصبغة خاصة، أَوَلا ترى أن مُحمدا الشيخ السعدي الذي يصلح أن يكون على الحقيقة أول أمير سعدي، كان يَحفظ ديوان المتنبي كله، وسبب حفظه إيَّاه ما كتب [61] به إليه أستاذ درعي متمثلا ببيت من ذلك الديوان ()، ثم لا تنس أنه ممن أخذ عن ابن عثمان شيخ جزولة أول العاشر، أوَليس أن هذه المقدمة لا تنتج إلا أن بذرة حب الأدب التي كانت في مُحمد الشيخ إنَّما بدرت من بين أساتيذه الذين أخذ عنهم، كابن عثمان السوسي، وكغيره من غير السوسيين، ثم لَمَّا جاء السبب الخاص دعاه ذلك إلى حفظ ذلك الديوان:

إنَّما تنجح الْمَقالة في المر

ء إذا صادفت هوى في الفؤاد

وما حفظ ذلك الديوان إلا عنوان لِميله الأدبي الذي لَم ينشب أن اصطبغت به الدولة، فنشأ في بيئته الشباب السعدي كالمنصور وأمثاله.

إذن بذور هذه النهضة كانت موجودة في سوس قبل الدولة السعدية، ثُم لَمَّا قامت هذه الدولة وقد رسخ في أدمغتها حب الأدب لذلك الذي بيَّناه، أخذت بضبع الأدب العربي بالمغرب كله، وكانت سوس من بين الأجزاء المغربية الممتازة في تلك الدولة، بل كانوا يعدونَها وطنا خاصّا، ويرون في أهلها شيعة خاصة يعتمدون عليها في حرسهم الخاص () من غيره؛ لِمكانة السوسيين من أول يوم من البيعة لأول أمير سعدي، ثُم ظهر الأدب السوسي مزدهرا بأيدي أدباء كبار؛ كمحمد بن علي الهوزالي النابغة، وكسعيد الحامدي ()، وولده أحمد، وأبي بكر التازولتي، وسعيد الإيلالني، ومُحمد بن عيسى التِّملي، وداود الوجاني، وموسى الوجاني، وأمثالهم ممن نعرف ومن لا نعرف، فكانت قوافيهم تترقى في الإجادة، بِحسب طبع كل واحد منهم، وهم يستظلون من الدولة استظلال من يرى أنه إنّما يستظل بظل دوحته في بستانه الخاص، فقد دلت قوافيهم التي خلصت إلينا على قلتها جدّا على أنهم يقولون في هذه الدولة ما يقولون عن إخلاص.

ثُم جاءت أكف الدولة المفعمة لَهم مع ما امتازوا به كلهم أو امتاز به بعضهم من سمو المنزع، فزادتهم إخلاصا على إخلاص، وفيما يقولون ما يلفت نظر الباحث في الأدب المغربي العام إلى ذلك العصر لفتا خاصّا، فهناك أقوال () للحامدي أعجبنا ببعضها غاية الإعجاب، كما أن هناك أخرى لابن عيسى التملي تدل على ذلاقة وجزالة ومتانة أسلوب، وأما ما رأيناه لَهم في غير [62] الإشادة بالعرش السعدي، فإن بعضه في موضوعه يكون من المنفسات الغالية في عالَم الأدب، وناهيك بنونية () داود الوجَّاني، فإنَّها في الوصفيات قيمة بِحسب بيئتها، ويزيدها قيمة على قيمة أنَّها انفردت بوصف واقعة وادي المخازن وحدها، دون كل شعراء المغرب إذ ذاك فيما نعلم، مع أنَّهم متوافرون في أنْحاء المغرب، ولو كان غالب ما تنفثه ألسنة الأدباء السوسيين في فجر هذه النهضة كثيرا بيننا؛ لاستطعنا أن نُدرك منتهى السمو الذي كان للأدب السوسي في هذه الخطوة الأولى، على أننا نقنع بالموجود، ونكتفي بِما نفهمه من ورائه.

ثُمَّ إن الأدب قد تَجاوزت آثاره ميدان المديح، ووصف الغزوات في مبدإ هذا الدور، إلى مَجالس الأنس، ووصف ليالي الشراب، ولا أدل على ذلك من بائية موسى الوجاني التي نذكرها فيما يأتي، كما أنه تَجاوز أيضا إلى الزهديات مع احتفاظه بروعته، وفي رائية لسعيد الحامدي أحسن مثال لِهذا، وهذا ما يدل على أن هذه النهضة قد ابتدأت خطوتِها الأولى واسعة غير ضيقة، فلا نعجب إذن أن رأيناها في عنفوانِها بلغت من طروق موضوعات شتى غاية ما يُمكن لَها في تلك البيئة.

انبثقت الدويلة الإيليغية، وقد تَمكنت هذه النهضة وبلغت قوتِها، وخالطت بشاشتها كل القلوب ذوات الأريحية، فلا عجب إذا رأيناها لَم تتأثر بسقوط دولة وقيام أخرى، فإن كان لا بد من تطلب علة لذلك؛ فإن ما يُمكن أن يكون علة واضحة لذلك موجود في أن التشجيع الذي كان الأدب استمده من الدولة السعدية كان عظيما جدّا، حتى تأصلت جذوره تأصلا ثابت العروق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير