تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلم يسهل أن يتزلزل بسرعة، ثم وجد أيضا بكل سرعة من أول يوم تشجيعا جديدا من إيليغ، ولَم يكن بين قيام إيليغ سنة 1018هـ وبين إقفال البديع، بموت الذهبي سنة 1012هـ إلا سنوات قليلة جدّا، وهناك علة أخرى يُمكن أن يعلل بها ذلك، وهي أن حب الأدب تَملك بعض الأسر، فصار الأدب كالعلم عندها، تعتني به من عند نفسها، ولعل الأسرة التَّاعَاتينية واللكوسية المانوزية والتِّيلكاتية الحامدية وأمثالِها يصدق عليها هذا.

إننا بعد ما درسنا (إيليغ) ()، وكيف إدارتها ومعاملاتها أدركنا أنّها تتبع خطوات البديع بقدر جهدها، وأن اعتناءها بالعلم والأدب وإكبار [63] أهلها إكبارا أدبيّا، واحتراما خاصّا، أكثر مِما يقتضيه حالُها، إنّما تقفت فيه البديع من غير أن يكون لَها من العلم والأدب وذوقهما باع طويل كالبديع، ومن هنا نلمس إسراعها بالتشجيع للأدباء الذين يكونون دائما في الدول عنوان منتجاتها في حاشية أعمالِها، ومن آخر ما تعتني به خصوصا إن كانت دويلة بسيطة بدوية كدويلة إيليغ، فليحمد حينئذٍ الأدب السُّوسي هذا التقليد، فلولاه لأمكن أن يسقط شأنه منذ ارتفعَ شأن إيليغ، ففي أول يوم بويع فيه علي بودميعة (1021هـ) رأينا الشاعر أمحَّاولو الإيسي قام بقصيدة يلقيها على مسامع الحاضرين، فيها الإشادة بالأمير الجديد، وفيها تَمنيات من بينها الأخذ بالعلم والاهتمام بنشره، ولا مرية أن الشاعر إنّما يقصد العلم الديني، ولكن في ضمن هذا العلم كل علوم العربية إذ ذاك، ثُم رأينا هذا الشاعر تبوأ مركز الكتابة الأعلى في إيليغ، ثم يخلفه فيه ولده أحمد وهو شاعر أيضا، كما رأينا أحمد بن مُحمد الشاعر التاغاتيني يستقدم إلى إيليغ، ويؤمر بِملازمة الحضرة، ثُم لَحق الشاعر مُحمد بن الْحَسن اللكوسي المانوزي بإيليغ، وبَيْن يدي نَجواه قصيدة عينية، ثُم هناك من بَيْن قضاة الجماعة الشعراء والأدباء؛ كمحمد بن سعيد العباسي، وعبد العزيز الرسْمُوكي، وعبد الرحمن التامانارتي، نشأ أمثال سعيد بن مُحمد بن سعيد من النشء، فكان هؤلاء يقولون في كل مناسبة، يقولون تَهديدا لأعداء الدولة، ويقولون تَهنئة للأمير بعد أن نَجا مِمن يُحاول أن يغتاله، ويقولون فيه أمداحا خاصة، ويقولون في رثائه بعد وفاته، ويقولون في ليالي المولد النبوي، فتعارض قصيدة الفشتالي، النونية النبوية بلسان أحد شعراء الشباب ()، وهذه الحركة الشعرية تدل على أن هناك اعتناء خاصا، ربّما فاق ما نظن، وإنما نُحاول أن نبقي مع ما يدل عليه ما اتصلنا به، ولَم نرد أن نتتبع الافتراضات كثيرا في الموضوع، ولا أن نتوسع في الاستنتاج إلى حد بعيد، خوف أن نقع فيما لا نَجد له دليلا مقنعا.

لو تطلب منا دليل مقنع، على أننا وإن أبينا أن نتوسع في الإشارة بالأدب في إيليغ نَجد بين أيدينا نصّا صريحا من أحد رجالات إيليغ إذ ذاك، يقول: «إن الأدب قد انطوى منذ انطوى إيليغ في جبال جزولة حتى بقيت آثار الأدباء مرمية منبوذة [64] بالعراء () لا يهتبل بِها»، وهذا يدل دلالة واضحة على ما يتطلع إليه باحث يريد أن لا يرتاح حتى يبلغ المدى.

ثُم انبعث الأدب في تارودانت انبعاث الذبالة من السراج قبل أن تنطفئ بِمُحمد العالِم العلوي الْمَاجد، فقد أتيح له أن يَجمع له ثلة من بقايا هذه النهضة المتقدمة، وقد كان الفقهاء الذين يردون عليه يقدمون إليه قصائد لا تعجبه, ولا يرفع بِها رأسا، حتى انثالت إليه هذه الثلة المتصادقة التي هي كعقد منظوم بالْمَاس، فرأى العجب عِيانا، وخاض ما شاء بلاغة وبيانا، إننا نعلم أن إبراهيم السجتاني، وابن الْحَسن الإيلالني، وابن عبد الله الزدوتي الذين كانوا من بين الثلة المعجب مُحمد العالِم بذلاقة ألسنها.

قد تَخرجوا كلهم من فاس، ولعل قائلا يقول: إذن أدب هؤلاء لَم يكن مستقى من أدب تلك النهضة السوسية القائمة أخيرا بإيليغ، بل كان مستقى من وادي الجواهر، فنقول مجيبين: إننا أولا وبادئ ذي بدء، وقبل كل شيء لسنا مِمن يترامون إلى جعل المغرب عِضين، ولا مِمن يرمون في كل ما يكتبونه إلى أن يَجعلوا هذا الشعب الموحد من قديم طرائق قِددا، وإنّما نَحن الآن في تبيين الواقع في هذه الزاوية من المغرب، ونقول ما كان يقوله من يريد أن يقوم مثل هذا المقام في نواح أخرى مغربية؛ لتستنير أجزاء المغرب كلها، ويتضح تاريخ كل جهة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير