تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والده الأديب اعتنى به كثيرا، انظر إلى وصفه هذا الشاعر الإيليغي، بأنه أحفظ من أصحابه.

فإن ذلك ينفعنا في الموضوع؛ لأن هذا الرسْموكي ما عرفت له رحلة إلى فاس، فإن كان من يريد أن يعترض علينا بذلك الاعتراض المتقدم حول أولئك الثلاثة، وإن ينازعنا فيما قلناه حول أخذهم أدبهم كله من فاس، فإنه لا يُمكن له إلا أن يسلم لنا هذه النتيجة التي حصلنا علينا بِهذا النص الواضح، فبذلك أدركنا من أين يستمد الأدب السوسي إذ ذاك، وكيف يتعلم المتأدب الأسلوب العربي، والعجيب ما ذكره من (الحماسة المغربية) وهو للجراوي من أدباء القرن السادس، فإنَّها غير مسموعة منذ ذلك العهد.

فكيف وقع لَها حتى كانت معروفة متدارسة في هذه الزاوية المغربية في ذلك العصر، ثم لَم نَجد لَها أثرا اليوم، بل يَجهلها الغالب حتى أثار حديثها بعض الباحثين () أخيرا في الصحف، وما مدارسة الحماسة الجراوية في سوس إلا أخت مدراسة كتاب الزهراوي [67] الطبي () فكلتاهُما من الأعاجيب التي انفرد بِها سوس في ذلك العهد، ثُمَّ انطوى الكتابان معا حتى لا يوقع لَهما على نسخة إلا في الندور ()، ثم إن هناك من بين من أخذوا أخذا كثيرا من إيليغ من يُمكن أن نتخذه أيضا كحجة على ما هنالك، وهو اليوسي الذي رأيناه ينقطع هناك ما شاء الله فيأخذ عن الجزوليين في إيليغ، ثم ما فارق تلك المدينة حتى أرسله أميرها أبو حسون بودميعة ليدرس بتارودانت، فيمكن أن يكون مرآة واضحة لإيليغ، فيتخذ أدبه وما يستمد منه في كتبه الأدبية كـ (أزهار الأكم) (والمحاضرات) وأمثالهما كمثال حي ماثل بين أعين الباحثين، فلو كان اليوسي إنّما أخذ من الإيليغيين وحدهم؛ لجزمنا بأنه هو مرآة صافية حقّا للأدب الإيليغي، ولكن رأيناه ربض أيضا كثيرا قبل هذا الوقت وبعده عند أناس دكاليين ودلائيين وغيرهم حتى تفوق.

ثم بعد هذا الحين ألقى رحله وقد استوفى عند الدلائيين الأدباء الكبار، على أن في كونه وقت عنفوان أخذه في إيليغ لدليلا واضحا لِما نريده، وأيّا كان فمما لا يمكن أن ينكر أن في أدب اليوسي جانبا غير قليل، إن لَم يكن هو الغالب عليه من التأثير الإيليغي، أوَليست هذه هي الحقيقة؟ ومن عرف كيف بعض أساتذته في الأدب واللغة هناك كعبد العزيز الرسْمُوكي، والقاضي مُحمد بن سعيد لا يَسْتبعد ذلك.

ثُم امتد الأدب السوسي الإيليغي إلى هذا المدى الذي يَجده مُحمد العالِم الذي كان في تارودانت خليفة لوالده في سنة (1109هـ) حتى ألقي عليه القبض بعد ثورته فقتل (1118هـ)، (على التحقيق) لا في (1116هـ) (كما في الاستقصا)، فبقتله ينتهي في نظرنا امتداد النهضة الأولى السوسية التي حاولنا أن نُبين تقلباتها، فقد بلغت أشدها في العهد السعدي، ثُم بقيت طلاوتِها في العهد الإيليغي، ثم لفظت نفسها مع انْهِيار عهد مُحمد العالِم العلوي، بعد إلقاء بعض روائعها في حضرته، فكان عمرها نَحو (200) سنة.

[68] ثُم لا بد لنا أن نسوق عن هذا الدور شذورا قليلة؛ ليشاركنا القارئ في بعض ما نَحكم به على ما قيل إذ ذاك، بعد ما نعلن إليه أن أنواع الشعر العربي كلها، نَجد لَها أمثلة فيما وقفنا عليه مِما بين أيدينا من الآثار الواصلة إلينا، ففيها المديح، والْهجاء الشخصي والسياسي، والغزل، والوصف للوقائع، والوصف لِمجالس المرح، والرثاء، والزهديات، والفخر، والاستنهاضات، ثم يوجد بين ذلك أبيات الحكمة، والتي ترسل مثلا، كل هذا موجود فيما عندنا، فلنسق ما يستلطف من بعض ذلك مُختارين.

يقول مُحمد الهوزالي النابغة في مُحمد الشيخ، وفي جيشه العتيد الذي فتح به المغرب، نأتي بِها كلها، لا لأنها من نُخب ما عندنا عن ذلك العهد، بل لأنها ألَمَّت ببعض أمور تلفت النظر لا تَخفى عن لبيب:

ببيض السيوف وسمر العوالْ

توطد أركان أس المعالْ

يرى الخائضون لغمرتها

دماء الجروح كبنت الدوال

وعِثير معترك قائم

خلوقا ومسكا ودهن الغوال ()

ألذ معانقة عندهم

معانقة القرن عند النِّزال

وأفضل ألعوبة بينهم

تراشقهم في الوغى بالنبال

فإن يتمنَّ أخو خور

منادمة الشرب تَحت الظلال

تَمنوا منادمة الحرب في الـ

ـهواجر بين شداد الرجال

إذ الرعب خام به فَزع

أذابوا الحديد بحر الْمِصَال ()

يزيدون في حربِهم مِرة

إذا ما تَمادى اللقا واستطال

همُ ما همُ جند سيدنا ال

أمِير مبيد فئات الضلال

إمام الهدى وسياج الْحِمَى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير