سحت علينا الغاديات بغيثها
لَمَّا انْجَلت عن كفك الأكمام
من صافحته يَمين مولانا فقد
أعطته أوثق عهدها الأيام
ويقول بعد أبيات:
فزنا ورب البيت لَمَّا جئتنا
يا أيُّها العلامة الضرغام
هذي علومك للرواة وهذه
بيض الذكور لِمن همُ ظلام
أين الرواة فذا مرامهم بل أيـ
ـن الظالِمون فذلك الصمصام؟
هل جئتَ مولانا بِجيشك قائدا
في جانبيك حَمائل وحسام
أم جئتنا للدرس والتعليم في
أيْمانك الصفحات والأقلام
أم أنت نعمة ربنا الْمُهداة فيهـ
ـا كلُّ ما يحتفه الأنعام؟
فلتزهونَّ ردانة الغراء إذ
أضحى لَها بِمقامك الإعظام
ولتغبطنها فاس والْخضراء وال
أقطار حتى مصرها والشام
وقال فيه إبراهيم بن أحمد السجتاني من قصيدة:
حظينا بِخير الناس علما وحكمة
ورأيا سديدا حين يشتبه الأمرُ
وأفضل خريتي العلوم وكل ما
يسوِّده في ظهر مهرقهِ الْحبر ()
وأفضل سوَّاس درى كيف يلتقي
غزال مع الضرغام لَم يعره ذعر
وأفضل مقدام إذا اشتجر القنا
وماج بَحر الحرب جحفله الْمجر
به يُتقى في معمعان الوطيس إن
تَمعرت الشجعان وانقصف الصبر ()
[75] وقد قامت الهيجاء حق قيامها
ودارت رحاها والتظى وسطها الْجمر
وقد صابر الشجعان حتى لوى بِهم
إلى العجز رغما مَطعن الأسل المر ()
وقد فلَّت الأسياف واندقت القنا
وكدَّست الموتى وضاق بِها البَرُّ
وجف من أوساط الحلوق لعابها
وقد ضاقت الأضلاع وانتفخ السَّحر ()
وقد قام ميزان الهزيمة فانثنى
عن الوالد البَرِّ ابنه البطل البَرُّ
هنالك مولانا يُضيء جبينه
حبورا كأن طافت براحته الْخمر
يقاوم فردا ثابت الجأش مقدما
كما خر نَحو السفح من قَنَّةٍ صَخر
يشايعه العزم الوطيد وقائم
من المشرفيات البواتر والْمهر
وقال موسى الوجَّاني في إحدى ليالي المرح:
وليل مثل خافية الغراب
عليه من ملاءات الشباب
وأنجم جوه متلفعات
بأردية السواد من السحاب
قطعت إلى الصباح بغانيات
وأقداح تشعشع بالشراب
وأوتار لَها نغمات وحي
ط تبعثر من هم تَحت التراب
فحينا أرشف الصهبا وحينا
أميل إلى مراشفها العذاب
فكانت ليلة غراء صينت
من التنغيص من أهل الرِّقَاب
هل الأنس اللذيذ سوى غناء
ورشف الراح أو رشف الرضاب؟
وصوت العود يَحدو للتصابي
وتطويل العناق مع الكَعاب
فذا الأنس اللذيذ وما سواه
فليس سوى بوارق من سراب
وقالت الفئة الماثلة في حضرة مُحمد العالِم في وصف مَجلس شراب، قال مُحمد العالِم مفتتحا المساجلة على عادته مع الأدباء:
هذي الكئوس مشعشعات الراح
فانْهَض نلبِّ نداءها يا صاح
إبراهيم السجتاني:
ما عذر من ترك العقار بروضة
زهراء بين منادمات صباح
محمد بن الحسن الإيلالني:
فالوقت طابَ وبلبل الأغصان قد
ملأ الرياض بصوته الصَّداح
[76] محمد بن أحمد الرسْمُوكي:
والروض أزهر ورده بِخدوده
والياسمين بلونه الوضاح
مُحمد بن عبد الله الزدثوتي:
فكأن مبيِّض الزهور مُنضرا
حبب الرحيق أعاليَ الأقداح
السجتاني:
وكأن مُحمر الشقائق وجنة
دعكت براحة ماجن مزاح
الإيلالني:
وكأن ذاك الورد في أشواكه
شاك تبدى في أتم سلاح
الرسْموكي:
وكأن هاتيك الغصون وميسها
بالرفق ميس من قدود ملاح
الزدوتي:
قم واسقنيها مثل عين الديك تحـ
ـفز للمكارم أنفس الشحاح
السجتاني:
من كف أغيد ردفه مترجرج
كالدعص بين تقلبات رياح ()
الإيلالني:
أن مد يشفع ما يَمد بأعين
نَجل مراض في الْجفون صحاح
الرسْمُوكي:
ما الراح إلا ما يدير مهفهف
غنج وإلا فهْو دون قَراح ()
[77] الزدوتي:
كل الملذات العذاب توفرت
فانْهض ولب الأنس عند الراح
وقالوا أيضا في حضرته أول اتِّصالِهم به:
مُحمد العالِم مفتتحا:
خلياني سبق السيف العدل
حشو أذني صمم عمن عذل
السجتاني:
قضِي الأمر فأصبحت لقى
بلحاظ لا ببيض واسل
الزَّدوتي:
من يكن يشكو جراحات الظبا
فأنا أشكو جراحات المقل
الإيلالني:
فليزرني ليرى كيف الْهَوى
من يرى أن الْهَوى أمر جَلَل ()
وقال النابغة سيدي مُحمد بن علي الهوزالي يُهنئ الذهبي على إبلاله من مرض:
تردّى أذى من سقمك البر والبحر
وضجت لشكوى جسمك الشمس والبدر
وبات الْهَوى خوفا عليك مسهدا
وأصبح مذعور الفؤاد الندى الغمر
فلما أعاد الله صحتك التي
أفاق بِها من غمه البدو والْحضر
تراءت لنا الدنيا بزينة حسنها
وعاد إلى أبانه ذلك البشر
وصار بك الإسلام في كل بلدة
يهنا ويدعى أن يطول لك العمر
¥