وصحت لنا الآمال بعد اعتلالِها
وعادت إلى الإيناع أغصانها الْخضر
كان يَحيى الْحاحي ثُم الراسلوادي يبكي على الدين، وعلى ما وقع في الشعب من نشوب أظفار المضللين فيه، فيقول في ذلك، فمما قاله:
[78] على مثل هذا يندب الدين نادبه
قدَ اجدب واديه وشَحت سحائبه
فلا فكر فيما قد عرانا وألحفت
على سرحها الغارات بغتا كتائبه
تبدد شرع المسلمين كأنه
مفاصل شلو مزَّعته نواشبه ()
غدا قِددا من بعد أن كان شاخصا
وحيدا تذود العابثين قواضبه
فلا عالِما يرثي لِحالته متى
تأتى له ما تَحتويه رواجبه
يُؤَوّل آيا نيراتٍ صريحة
إلى ما ترى فيها مناه الكواذبه
وما قصده إلا التهام لقيمة
ونيل رضى فدم جهول يصاقبه ()
إلى أن قال:
فلا آية يتلون حق تلاوة
تراءى بِها بين الكتاب عجائبه
ولا سنة مالت إليها عيونَهم
ليظهر منا للذي مال عائبه
بلى إن يكن كشف ورب كرامة
وصاحب وقت تب وقت وصاحبه
ومعلن تلبيس وزاعم أنه
ولي ومعصوم ولا حوب ثالبه ()
وإنه مهدي الزمان الأخير في
يديه من التسديد ما هو جالبه
تَجئك من الركبان عن كل عالِم
عجائبه عن إفكه وغرائبه
يزيدك في تأويله وحديثه
بِما هو في الآي الصريحة كاذبه
فيتشح الإفك المزور باسْمه
فتخلب من كان الغرير خوالبَه
ويقول أيضا في أبيات يسخر فيها بعلي بودميعة، حين كتب إليه علي بأن بيعته تَمت عند ضريح الشيخ سيدي أحمد بن موسى، وأن الناس أعلنوا الدعاء على ذلك:
يريد ابن موسى خطة الملك بالدعا
ولَمَّا يسم من سيفه في الطلى الْحَدَّا
ولَمَّا يُجِل بين الصفوف مَقانبا
إذا حَملت في زحفها تصدم السُّدا ()
وقد أجيب من إيليغ مرة بلسان أحمد أمحاولو الإيسي الكاتب الرسْمي، بعد ما عبئ جيش من إيليغ ليدب إلى يَحيى، يرد هذه السخرية إلى يَحيا فيلمزه بِمثل ذلك:
[79] تشب تنانير الوغى بالمكاتب
وتَهرب من إيقادها بالكتائب
ففي كل يوم منك شعر كأنّما
على الشعر تأسيس الأمور المصاعب
فلم نر إلا أن نُجيبك بالوغى
وبالجند جند الله أعظم غالبِ
فبارزهم إن كنت شَهْما كما نرى
كثيرا إذا راسلتنا بالمكاتب
مَحا السيف أسطار البلاغة وانْتَحى
إليك ليوث الغاب من كل جانب ()
في هذا القدر من قوافي هذا العصر كفاية لِمن أراد أن يكون على معرفة تامة إجمالية في الذي وصله أدب العربي السوسي في هذا الدور، ثم إن هناك نتفا من رسائل نَمقت تندمج في الأدبيات، ولكنها- والحق يُقال- تنزل درجات عما ناله الشعر في الأسلوب والتفنن والانسجام، وإن كانت لَم تَخرج عن نَمط النثر المغربي العام في هذا الحين، فلنمر بذلك مر الكرام.
ولنترك عرضه والاشتغال بالنظر إليه نظرة الناقد، لِمن سينصب نفسه لوزن أدب هذا الطور وغيره بِمزيان الحق، ولسنا نَحن الآن بصدد ذلك، وإنَّما نَحن بصدد العرض لبعض أدبيات، وبصدد أن نُحقق أن هناك في ذلك الطور هذا الأدب السوسي في الوجود، وأما تقدير قيمته في الفصاحة، ومتانة الأسلوب، وفي القدر الذي له من الابتكار؛ فنذره لغيرنا مِمن يتوفر على البحث والتنقيب والإمعان في الشاذة والفاذة، ثم لا علينا إن أصدر حكما له أو عليه.
[80]
طور الفترة بعد النهضة الأولَى
1118هـ - 1189 هـ
كنا نتراءى قبل أن يَختتم دور تلك النهضة باعتناء مُحمد العالِم، أن فن الأدب كان حقّا في الحشرجة، بعد أن سقطت إيليغ أمام زحف المولى الرشيد، وبعد أن توالت النكبات على سوس بالْحُروب الهائلة الكثيرة، التي توالت بين ابن مِحرز وبين مولاي إسْمَاعيل، فلم يتمكن ابن مِحرز كل التمكن في سوس، حتى يستقر به القرار؛ ليمكن أن يظهر اعتناؤه بالعلم وتوابعه كالأدب، إن كان قدر له أن سيكون من أصحاب هذا الاعتناء، وإن كنا نقع على بعض ما يدل على أن منه اعتناء بالعلماء، فقد وقفنا على وثيقة كتبت إليه وقعها ثَمانية عشر عالِما يشهدون فيها بسيد من سلالة أخيار () يلفتون نظر ابن مِحرز إلى أن مقامه يستدعي التوقير والإجلال، وتوفير الكرامة، ولعل لِهذه الشهادة التي أقدم عليها هؤلاء العلماء الجزوليون دلالة على أن موقعيها يعلمون ما تلاقيه شهادتهم عند الأمير، ولا يندفعون ما لَم يكونوا آنسوا منه قبل تلك الساعة ما يشجعهم على ذلك، وأيّا كان فإن ما يدل على هذه النقطة لا يزال مسود الجو في نظر بَحثنا الناقص، ونَخاف أن يكون بعض العلماء أووا إلى ظل ابن مِحرز، ثُم ينالَهم بطش من
¥