تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القول، مقبول المنزع إن وزن بِميزان بيئته، ثُم كان من هؤلاء المتخرجين من هناك سير آخر إلى الأمام، وأحظاهم في هذا المقام: الشاعر الإفراني شيخنا الأخير، فإنه خرج البشير (العَزِّييِني)، (التَّانكرْتِي)، وولده مُحمد بن الطاهر، والحسن الكوسالي، وداود الرسْموكي، ومُحمد الحامدي، ومُحمد بن مُحمد التملي الدمناتي المدفن، ومُحمد بن الطيب التِّيزي الصائغ وآخرين.

هكذا قام عمل مُحمد بن عبد الله الإلغي، وعمل مُحمد بن مسعود البونعماني، وعمل مُحمد بن العربي الأدوزي بِما شيد أركان نَهضة أدبية آتت أكلها، وكتب لَها سعدها أن يبقى غالب آثارها حتى يدرسها من أراد أن يكون وراء درسها على يقين من مدى سموها، ومقدار ما لَها من البلاغة والبراعة (فليس الخبر كالمعاينة).

أمَّا مستندات هذه النهضة بالإجمال؛ فمن دراسة الكتب الأدبية الموجودة، كالمقامات الحريرية التي عم تدريسها في كل النواحي من عهد بعيد، ولا تزال تدرس دائما إزاء التحفة؛ كالمعلقات، والزيدونية، وبانت سعاد، والطغرائية، والمقصورة الدريدية، والوردية، والدالية اليوسية، والشقراطيسية، ويزيد الأدوزيون دراسة ميمية الحامدي، وديوان المتنبي، وقلائد العقيان بشرح ابن زاكور، يدرسونَها بالأنصبة اليومية، ويزيد البونعمانيون مقامات بديع الزمان، وديوان المعري، ويزيد عبد العزيز الأدوزي في البوعبدلية ديوان الحماسة، وينفرد الإلغيون بالاعتناء الكبير بدراسة نَحو نفح الطيب، والعقد الفريد، وخزانة الأدب الكبرى، وطبقات ابن خلكان لا يتدارسونَها بالأنصبة، بل بالتتبع ثبات ثبات في أيام الاستراحة من توالي الدروس العامة، فتجد أحدهم تلا أمثال هذه الكتب مرات، كما يعتنون كذلك بِمروج الذهب، وحياة الحيوان الدميري، المشحون بالأدبيات، والمستطرف، وثَمرات الأوراق، وتزيين الأسواق، وكثير من الدواوين الشعرية، وهذه تروج كثيرا زيادة على اعتنائهم بالتثبت في اللغويات بكثرة مراجعة القواميس، وذلك أول ما يتعلمه متأدبهم من الخطوة الأولى، كما لَهم أيضا ولوع بِمثلث قويدر، ومَنظومة ابن المرحل [102] لفصيح ثعلب، وربَّما يُحاول بعضهم حفظ ذلك المثلث كله، ثُم ينفرد كل فريق أو أفراد بكل ما تناوله أيديهم من وراء هذا أيّا كان، وهم يعتنون بِحفظ المقامات الحريرية مع استحضار كل ما كان في شرحها للشريشي، ولا يُمكن أن تَجد من نُجبائهم من لَم يكن حفظ منها فيهم إلا تَحلة القسم، كما لا يُمكن أن تَجد منهم من لا يَحفظ كثيرا من نوادر الأبيات والأمثال العربية، فيدور ذلك في مُحاوراتِهم وفي أسْمارهم، فتجد رسائلهم مشحونة بذلك، حتى رسائل بلدانهم ومُحاورات أشباه العامة من متطلبتهم، وهذا كله شائع ذائع عنهم حتى ليعابون من الجامدين على الفقه وحده بِهذا اللهج الشديد بِهذه الناحية؛ كما عَابَ الأستاذ الرفاكي الإلغيين بذلك عن حسن نية، ولكن لسان حالِهم يُجيبهم بِهذا البيت:

ذاك الذي تكرهون مني

هو الذي يشتهيه قلبِي

أمَّا مَجالات أدبياتِهم؛ فإنَّها كما تعتني بالقافية تعتني أيضا بالترسل، فبين أيدينا الآن عشرات وعشرات من رسائلهم بينها ما فيه براعة فائقة، ولا أثلج للصدر من رسائل كان طلبة المدارس في عنفوان هذه النهضة يتراشقون بِها بينهم عتابا أو موادة أو مساجلة، وهي طويلة مسجعة مفعمة بالأبيات اللطيفة والأمثال الحكيمة، وقد دارت بين الطلبة المتأدبين في مدرسة إلغ وبين مدارس بومروان وإفران وأداي وإغشَّان وتَانَالْت وبونعمان وإيغيلالن رسائل من هذا النوع الذي يرمون فيه إلى الترسل الأندلسي الجميل، وأمَّا قوافيهم فإنَّها تطرق غالبا المديح، والرِّثاء، والإخوانيات، والمجاذبات، والجناب النبوي، والتشكي من الدهر، والعتاب، والهجو، وقلما نقف منها على خلاف هذه الأنواع، كما وصل إليه تتبعنا لذلك متقصين ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير