تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الذي نصف به هذه النهضة يدخل فيه كله البونعمانيون والأدوزيون والإفرانيون والإلغيون، ثم يسري ذلك إلى مدارس أخرى تريد أن تتشبه بِهذه؛ كمدرسة (تاهَالا) حين كان المانوزي وطبقته من تلاميذ (الأسَكاري) يتشبهون بالإلغيين في الأدب، فنبغ بذلك المانوزي، وما ذلك إلا لأن لِهذه النهضة تأثيرا كثيرا شاملا مَجرور الذيل، حتى لينحاش فيها إلى الأدب من ليس في العير ولا في النفير، بل وقفنا على بعض [103] السرقات لبعضهم من نثر الإلغيين أو من شعرهم، ينسبه لنفسه () تزينا وتَجملا به، فكم فقيه يلج الحلبة بين هؤلاء، فيتخذ متندر المحافل الأدبية ما شاء الله، حتى أننا لنعجب أن رأينا مثل (أعْبُّو) و (الأسْكَاري) الأستاذين الفقيهن، يُخرجان مثل الأديب المانوزي، مع أنّهما غير مَوْصُوفيْنِ بالنّزوع إلى الأدب، وما ذلك إلا من تأثير هذه النهضة المائجة على أمثال المانوزي، فيتأدب هو وأمثاله بِجهودهم على حدة، ثُم لا يفوتنا أن ننبه على ظاهرة في (إلغ) لَم تكن في غيرها، مِما يشاركها في الاعتناء الأدبي؛ وهي وجود ندوة أدبية انتقادية يعرض أمامها كل شيء، فتقبل وترد، وإن كانت لا تَخرج عن دائرة المجاملات وتتخذ انتقاداتها في صفة إرشادات، وكان رئيس هذه الندوة أبا الحسن علي بن عبد الله الإلغي الأديب الكبير، فلا تَخطر قصيدة جديدة، أو رسالة حديثة كيفما كانت وإن لَم تكن إلا من مبتدئ في خطوته الأولَى إلا وتتلى في المجمع، والعيون شاخصة، والأسْمَاع مرهفة فيشاد بِما للمجيدين، ويرشد بالملاطفة غير المجيدين، فهذه الندوة لَها تأثيرها كثيرا في الإشادة بالأدب الإلغي وفي تنشيطه إلى الأمام؛ لأن بعض القائلين قد تبلغ منهم كلمة يُحبذ بِها ما لا تبلغ جائزة كان غيره يتسلمها من يد مَمدوح في بلاط.

ولا يدري إلا الله كم قصيدة مرت في هذه الندوة؛ لأن العادة استمرت أنه كلما حضرت فرصة أن تستنبط القرائح، فعند كل ولادة لِمعتبر عندهم، أو وفاة فاضل، أو قدوم أديب، أو توديع آخر، أو قيام عرس، أو ختم مؤلف يدرس، أو مناسبة ما، تَجد القصائد يُرمى بِها بين يدي رئيس الندوة، وقد يصل عددها أحيانا ما فوق العشرة، أفلا يكون هذا هو الباعث حتى بلغ الأدب الإلغي ما بلغه مِما لَم يدركه سواه في سوس.

ثُم إن الإلغيين والأدوزيين والبونعمانيين، كان من عادتِهم أن يُخاطبوا تلاميذهم شعرا أو نثرا في كل فرصة ينتهزونَها، ثُم يقترحون على كل أحد أن يُجيب كي يتمرن الطلبة بذلك، وقد وقفنا على آثار غير قليلة في هذا الموضوع ().

[104] وأخيرا كفكف القلم، فقد كدت أتَجاوز الإيجاز في وصف هذه النهضة الكبيرة التي بلغت أشدها ما بين (1269هـ) وبين (1352هـ)، ثُمَّ وقف دولابَها إلا نادرا بعد الاحتلال؛ لتبلبل الأفكار، ولكون الحال يقتضي أن يشتغل كل واحد بِخويصة نفسه، فأدَّى إلى إقفال النادي الإلغي، فكاد ينتهي في إلغ كل شيء، لولا خطرات تسنح، فتتفجر بِها القرائح، وقد كانت بونعمان وأدوز انتهى منهما قبل ذلك هذا الفن أيضا فوجبت شمس الأدب السوسي بذلك في مدارس شتى، وذبل زهره إلا بقايا هنا وهناك لذهاب البواعث، ولا يدوم إلا الله، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فلم يبق إلا دور تسجيل ذلك () لئلا يَجرفه النسيان، فهذا ما تعزم عليه منَّا الْهِمَّة إن شاء الله.

فلنذكر بعض أشعار ورسائل عن هذا الطور أيضا؛ اتِّبَاعا لِمَا كُنَّا نصنعه في كل الأطوار المتقدمة، ولا نتعدى غاية الإيجاز، وإلا فإن الموضوع زاخر الآثار جدّا، ونَحن جد حريصين على جَمع شتاتِها في كل ما يَجول فيه يراعنا، مِمَّا نَجمعه في هذا المنفى، فنزجي به الآن الوقت في هذه العزلة الجبرية، ولنختر ما يوافق أذواق اليوم في الجملة؛ لأن في جل ما في آثار هذا العهد ما تنبو عنه أسْمَاع كثيرين مِمَّن مازج الأدب الحديث أذواقهم، وإن كانت له روعة ما في تلك البيئة إذ ذاك؛ لأن هذه النهضة الأدبية السوسية، وإن كانت بنت هذا العصر، هي بِمعزل تام عن الأدب الحديث، وقد ضرب ما بينهما بسور من حديد، حتى لَم يكن لأسلاكهما أدْنَى اتِّصَال إلا من سنوات قليلة جدّا ()، ولِهذه الحيثية مكانتها عند من يريد أن يبحث تَحت ضوئها في آثار هذا الطور إن كان من المنصفين، وكان من الذين يراعون المشقة العظيمة التي تكون أمام المتأدب السوسي العجمي قبل أن يتذوق الأسلوب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير