العربي في سماوات فصاحته ومُحيط بلاغته.
قال الأديب أبو العباس الجشتيمي في المولى عبد الرحمن العلوي من قصيدة ليس عندنا منها إلا ما نسوقه مطلعها:
أحد النياق بذكرهم يا حادي
فالذكر عنهم سلسبيل الصادي ()
[105] يقول عند التخلص:
من لَم يكن مستلئما متكميا
أنى يصاول في مَجال طراد؟! ()
هذا الإمام أبو البسالة ما ارتضى
إلا بِحزم فل كل أعاد
رأي كما جالت نوافذ بيضه
فتقد كل الغلب أعلى الْهَادي ()
فكأنَّما سجف الغيوب مزحزح
عنها يبصر رائحا من غادي
ورث المجادة والسيادة والعلا
عن ساسة ساسوا الورى أمجاد
خلقوا منَ انوار النبوة ما همُ
إلا الشموس سَمت على الأنداد
قد أنجبتهم من بني عدنان أمـ
ـلاك عظام من صدور النادي
فشبابهم كالشيب في آرائهم
وضراوة الأشبال كالآساد
بِخلاء بالأعراض لكن إن أتى
زاد فما أنداهمُ بالزاد
من آل إسْمَاعيل كانوا من خيا
ر الناس لاقيناه بالأسناد
إلَى أن قال في أواخرها:
مولاي يا خير الملوك ونُخبة الـ
أبرار أهل الفضل والإسعاد
قد جل قدرك ما الذي سيقوله
فيه ذوو الإنشاء والإنشاد؟
تعيي مناقبك العظيمة من همُ
أهل البلاغة من فصاح إياد
"
أأرى أنا وأنا الفهيهة محصيا
ما كان عندي غاية لِمرادي ()
اقبل أمير المؤمنين مقال من
لَم يدر كيف السرد للأزراد ()
فلقد بذلت الْجهد لكن عاقني
حصري العظيم على لسان الضاد
فعليك من ضيف يَجوب بشوقه
ليراك أطراف الفلا بالْحَادي
أزكى سلام طيب يشذى كما
تشذى الحدائق من أريج الْجَادي ()
وقال على لسانه يتوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ذاكرا بعض ما كان يعانيه في إصلاح الأمة، ويتشوق إليه:
شوق يذوب القلب من جَمراته
وجوى يغيب الرأي في غمراته
من لي بزورة من أحب ولو كرى
فهو الروى لو نلت من زوراته
[106] يقول فيها:
يا خير من ساق الغرام لربعه
صبّا فنال السؤل من عفطاته
ماذا ترى فيما نكبت؟ فإنني
من لَم يناد سواك في أزماته
تَهفو لربك ما نأيت صبابة
روحي وتَحيا من شذى نَسماته
ويقول فيها:
أشكو إليك وكم كشفت ملمة
ما حار فيه القلب من ظلماته
شكوى حزين حلف جرم لا يرى
إلا بك الإنقاذ من كرباته
فلأنت أحنى من أناخ ببابه
مثلي ثقيل الظهر من هفواته ()
وقال يُخاطب مولانا الحسن، وقد كان لازمه ما شاء الله إماما لصلواته، فيقترح عليه أن يودعه؛ لاشتياقه إلى أهله، والسلطان ضنين به، نأتي بِها كلها:
لولا حقوق لا تعد عظيمة
للأهل دمت لذا المقام مقيمه
لو مت من ظمإ بقيظ مُحرق
والقفر يرسل في السماء سمومه
وأنا بوسط مَجاهل لا يهتدي
فيها الظليم إذا أضل حَميمه
وأنا وج نقب الأخامص مبدع
بي لا يرى سمعي هناك كليمه ()
وأنا أرجي من هناك رضاك كا
ن الكل عندي نعمة مغنومه
لا رأي للعبد المطيع إذا رأى
من كان طول حياته مَخدومه
مر يَمتثل يا خير مولى رأي من
منه الإنابة دائما معلومه
رأي الملوك منارة الإرشاد أمـ
ـا غيرهم فمزاعم مركومه
مولاي يا مَن لي رضاه جنة
ولزومه أزهاري المشمومه
إني عرضت على مسامع سيدي
من قبل بعد صلاتنا المعلومه
أمرا يقلقل عبده ويقيمه
ويطيل بالسهر الطويل خديمه
فجرى على سمعي مشرف رأيه
ولعله ما كان منه عزيمه
فاليوم عدت لعل ما أرتاده
من روض جودكمُ أحس شميمه
فالأهل والوا رسلهم بتتابع
حتى رسائلهم علي كديمه
[107] والأمر أمركمُ فقولوا يَمتثل
من نفسه بِهواكمُ مزمومه
لكن رجائي واقف مستعطف
من خيبة الراجي لديه عديمه
فالزغب في الأوكار ترسل طرفها
من رأس شاهقة تكل البومه ()
في كل صبح أو زوال أو مسا
ء ترتجي ممن يغيب قدومه
لكن إذا رضي الإمام إقامتي
أبدأ هنا كنت الحياة مقيمه
فعلى أمير المؤمنين تَحية
بدموع شوق أخي النوى مَختومه
نرى أن هذه في موضوعها من ألطف ما رأيناه لمستعطف، عرف كيف يأتي من كل جهة، حتى لا يُمكن لأدنى فاهم إلا أن يؤخذ بِمثل هذا بِمجرد ما يسمعه.
وقال ابن العربي في وصف مَجلس تنشد فيه الأمداح النبوية:
بَهجة القلب في اجتناء الأماني
واجتلاء المقسمات الحسان ()
وغصون الرمان فيها ثِمار
بل نهود على قدود الغواني
وورود الرياض تنفح من شـ
ـم بِمنس نوافج الغزلان
وجَميع الأحباب قد حضروا فاسـ
ـتجمع المنتدى شتيت الأماني
قد أهابت بِهم دواعي التهاني
فأجابوا طرا دواعي التهاني ()
فشدوا بالمديح شدو حمام
طاب منه الهديل في الأفنان
¥