وبخار العود الرفيع تعالى
حينما العود صادح بالأغاني ()
أن هذا يوم كيوم الذي يو
عده المؤمنون وسط الجنان
متع كله وأنس عظيم
شاهدته العينان والأذنان
تتباهى بِها المسرة بالأفـ
ـراح شتى جاءت على ألوان
فتراضت كل الجوارح فيه
بين حور الفردوس والولدان
وقال أيضا في مَجلس مثله:
أدرها بِمشمولة يا هلال
أدرها فخمرتها لي حلال
إذا ما بدت خلتها شعلة
بكف هلال حكاه الْهِلال
[108] فكل شراب له سكرة
وهذا شراب يزيل الضلال
فهذا الشراب شراب الْهُدى
فأين الفحول وأين الرجال؟
وقال في أول قصيدة قدمها للمولى الحسن في إحدى وفداته عليه، يذكر ما لاقاه في وادي (النفيس) ولعل ذلك في سنة (1293هـ):
دواعي المنى قادت زمامي إلى الْحِمَى
وتَحدو الرجاء المستجد المصمما
بكرت إلى المأمول مثل الغراب إن
نوى في رجى ما يرتجيه فيمما ()
فجلت على كور تسنم ذروة
كقطعة مزن فوق يذبل خيما ()
تناوح وجهي العاصفات وإنني
أمد لَها حر الجبين المعمما
أخوض بُحور الثلج بالْمَاء في ذرى
جبال النفيس والظلام المقتما
وما القصد وصل الغانيات وما أنا
وأحْمَدُ ربي الزير أتبع الدما ()
ولكن قصدي وهْو أفضل مقصد
يشرف أن ألقى الإمام المعظما
وكتب أبو فارس الأدوزي إلى بعض من يأخذون عنه أثناء رسالته:
«أصلح الله حالك، وأزاح عنك أوحالك، إنني رأيتك تَمد الزند بلا كف، وتريد أن تسعى وأنت ملتف، فما فضل يد لا كف فيها، واهتمام بِمساع لا تنبعث لِمجاريها، فمتى طير بغير جناح، أو خيضت هيجاء بغير سلاح؟ فما هكذا يكون من إلى العلم يرتَحل، وما هكذا يا سعد تورد الإبل!».
وكتب إلى بعض أقرانه أيضا:
«سيدي، حرس الله بدرك من المحاق، وطيب ذكرك من الآفاق، إن أتفق معك في الانتساب إلى العلم؛ فلم أساوك في الفهم؛ لأن لك قلما بليغا لا يلحق شأوه، ولا يشق غباره، وأنى للبغاث أن يطاير الطير العتاق، وللسكيت أن يُجاري الخيل السباق؟!». إلى أن قال معتذرا عن شيء: «عياذا بالله أن يراني سيدي حيث يكره، أو أجتني مكره، إذن رمى الله سلعتي بالكساد وصرفني عن الرشاد، بل أنا سهْمك إن رميت بي العيوق أنتظمه، أو أقحمتنِي البحر أقتحمه، فأنا أطوع من بنانك، وأنفذ من سنانك».
[109] وقال الأديب ابن مسعود في قصيدة مديح لبعض أشياخه الكبار من الإلغيين وهو الشيخ الإلغي:
لئن سوغوا في المدح قول مبالغ
يسيح له من حول مَمدوحه مد
فأنت سَموت المد من كل قائل
بليغ فما من جزر تقصيره بد
"
لعمري لئن أطرى يزيد بن مزيد
صريغ الغواني واللها رشحها الْحمد ()
وأغرب بل أربى على كل شاعر
أبو الطيب الجعفي يقتاده الجد
فجاء بني حَمدان من نفثاته
مرصع تاج ليس يصدأ والعقد
وأسدى لكافور ثناء مُخلقا
تطيب به في روضة اللسن الملد
فأنت أحق بالقصائد ينتقى
لَها الماس والياقوت والسلك والنضد
أحق لعمري بالمدائح فوق ما
يَحوك ابن أوس حين فصحه الرفد
لئن كسبوا في مَدحهم كل طائل
ففي مدحك الطول الذي ما له حد ()
وقال من قصيدة في رثاء عالِم عظيم من أشياخه الأدوزيين وهو ابن العربي:
ماذا تؤمل من دناك وإنَّما
آمال نضرتها سراب سار
فإلى الزوال نعيمها فإذا حبت
سلبت وإن نفعت فنفع معار
ما دام فيها مالك وخليله الـ
أصفى عقيل بعد طول جوار
وجذيمة وقصيره وقصوره
لَم تغن عنه مكائد الختار
غالتهمُ أيدي الْمَنون فكسرت
كسرى وقسرا صرح قيصر هار
وخلا الخورنق بعد آل مُحرق
ومضت بسيف مدرك الأوتار
وجرت على عبس وذيبان بِما
غم النفوس وعم بالأكدار
شأن الزمان كذا وليس بنافع
لَهف الفتى من نازل الأقدار
يقول فيها:
من للفهوم ودقة الأنظار
مَن بعد فارس سوسنا الكرار
من للعلوم يبثها ويَمد البـ
ـباب الرجال بثاقب الأفكار
من للقصائد ينتقي درر الكلا
م لَها ويرسلها كماء جار
ما شئت عن لطف ورقة مَنْزع
ومتانة في أحرف كدرار
[110] انظر إلى ما أدرجوا في القبر من
فضل ومن علم وكل فخار
هذا إمام الدين يوم واحد
من مثله خير من الأعمار
لا در در العين إن لَم تبكه
بنجيعها ومهذب الأشعار
ويقول فيها:
أمحمد أسفا لِهذا الصقع بل
للغرب من نبراسك المتواري؟
كانت أدوز بك البدور طوالع
حتى طلعت بِها كشمس نَهار
فرقيت ذروة ذلك المجد الصميـ
ـم مجليا في ذلك المضمار
وأقمت رسْم العلم فابتهجت من الـ
ـبحث الأنيق مسالك النظار
إن مت فالذكر الجميل حياة من
¥