ثم أقول للأخ الفاضل الروقي، أصبت في نقد البيت الأول كما أسلفت ولكني لا أوافقك في حديثك حول رواية البيتين الأول والأخير من الثانية، فأنت تعلم أن الروايات كثيراً ما تتباين وقد تحققت من أن البيت الأول أورده بعضهم كما ذكرته من حفظي ومن هؤلاء الثعالبي في رسائله.
ثم أقول للفاضل عصام، تعليقي على اختلال الوزن والإقواء لم يكن موجهاً لشخص بعينه ولكني قرأت ثلاث مقطوعات ثم علقت وقد يكون الغالب على الذهن بعضها، إلاّ أن مجموعها لا يخلو من اختلال في الوزن أو إقواء. أما أبيات الروقي فلا أرى اختلالاً في وزنها ولكن الإقواء حاصل ولا يغني التزام وضع السكون على رويها، فهذه كلمات معربة بحركات فيها اختلاف، فتسكينها تحكم إما أن تعده إقواء أو تقول أقيدها ومثل هذا التقيد عيب لا يقل عن الإقواء. ولعله يأتي مزيد بيان لهذا في التعقيب على الأخ الكريم ابن سفران.
كما أني لم أرد أن أسترسل في النقد وإلاّ على الأبيات ملاحظات أخرى كختيار هذا البحر لهذا الغرض وهذا موضوع يطول وكوضع بعض الألفاظ في معان لم يعهد استخدامها عندهم، وكالتعدية المتكررة بنفس الأداة، وكعدم انسجام بعضها في مجموع القصيدة فكلامهم مرة يبدد جيش الظلام ثم يأتي هذا القوي المبدد المحكم ليوصف بأنه عذب! ولكن لأن هذا مما تتباين فيه الأفهام وتختلف فيه أنظار النظار لا أحب أن أقف عنده وحسبي هذه الإشارات.
أما الأخ الحبيب ابن سفران الشريفي فأقول أبياته أجود ما كتب –في رأيي القاصر- ولا يشكل علي إلاّ بيته الأخير فقد تغير شكل إعرابه.
أما سؤالكم لي عن الإقواء فليس فيه ما يستدعي الأسف:)، على كل –في حدود معرفتي القاصرة- الإقواء من عيوب القافية وتعريفه ما ذكرتم، وعند بعض العروضيين هو الإكفاء، وبعضهم يجعل الإقواء في العروض خاصة دون الضرب وبعضهم يعممه ويجعلون الإكفاء والإيطاء في الضرب خاصة، وبعضهم يجعل الإقواء ما يسميه الخليل بالمقعر، وبعضهم يجعله تبديل القوافي كأن يأتي بالعين مع الغين لشبههما وهو ما يسميه الخليل بالإجازة.
أما هو عند يونس وسيبويه وأبا عمرو بن العلاء فهو ما ذكرت اختلاف إعراب القوافي بالكسر والضم والفتح وقد نص على هذا غير واحد من أهل الفن.
وللفائدة أقول: وهذا يبين السبب في عدم تفريق بعضهم بينه وبين الإكفاء فهو عند جمهورهم: اختلاف القوافي بالكسر والضم.
الحاصل عندي على تعريفهم للإقواء ملاحظة وهي أنهم جميعاً أطلقوا ذلك في القافية سواء أكانت مقيدة أو مطلقة.
وقد ذكر النقاد الجهابذ كابن سلام الجمحي أنه في شعر الأعراب كثير –والعلة عندي والله أعلم هو ما دأبوا عليه من تسكين- دون الفحول من الشعراء، ثم قال: ولا يجوز لمولد لأنهم قد عرفوا عيبه والبدوي لا يأبه له فهو أعذر.
قلت: وقد وقع في شعر الفحول كأمثال النابغة فلمّا تفطن له وقد سمعه من غيره معرباً وكان يسكن لمّا تفطن له لم يعده.
أما القافية المقيدة –أخي الكريم- فهي القافية الساكنة وهذا التسكين إما أن يكون لمقتض صحيح فيكون مقبولاً كأن يكون هذا إعراب الكلمة ولم أقف على قصيدة على هذا! أو يكون مما عرفته العرب في أحوال كتنوين الترنيم وعند كثيرين إلتزامه في غير الغناء ذميم، أو أن تكون القافية متحركة تولدت من حركاتها حروف مد أو لين وهذا التزامه قبيح، ومن هذا الضرب القبيح الذي يعدونه عيباً أنك إذا أطلقت البيت ظهر إقواؤه وإذا قيدته سلمت، فلا تستطيع أن تجيء بالبيت إلاّ مقيداً، وأذكر لك في ذلك قو المعري –عليه من الله ما يستحق وهو حجة في هذا الباب- في الصاهل والشاجح قال في القافية المقيدة: (وحسبك بهذه نقيصة! ما قولك في رجل لايقدر أن يحضر مجلساً مع القوم إلاّ وهو في غل وأصفاد!). أقول: وبهذا يظهر الفرق بين من يلزم نفسه بغير ما يلزمها كأن يقيد والإعراب صحيح لا يعتل وبين من يقيد ليهرب من الإقواء، فالأول قد يضفي على القصيدة ملاحة ويظهر براعة، والآخر يلزم القارئ بسلوك طريق ضيقة لا تلزمه.
ختاماً يا معشر إخواني وأحبتي أعتذر لتعكيري صفو جوكم وأرجو منكم المعذرة وأنتم للعذر أهل ووالله ما أردت لهذا المنتدى إلاّ التمام فما يثبت من مواضيع جلها بحوث نفيسة ومقالات بليغة وكم كان يسرني لو كانت هذه الأبيات من نحو قول القائل من الطويل:
على مكثريهم حق من يعتريهم ** وعند المقلين السماحة والبذلُ
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم ** مجالس قد يشفى بأحلامها الجهلُ
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم ** فلم يبلغوا ولم ينالوا ولم يألوا
فما يك من خير أتوه فإنما ** توارثه آباء آبائهم قبلُ
وهل ينبت الخطّي إلاّ وشيجه ** وتغرس إلاّ في منابتها النخلُ؟
وفي انتظار تقويمكم وتسديدكم.
فكم من مريد للخير لم يبلغه، ورأيي خطأ يحتمل الصواب ورأيي غيري صواب يحتمل الخطأ.
ـ[ابن سفران الشريفي]ــــــــ[05 - 11 - 02, 02:23 م]ـ
أخوي الكريمين عصام البشير و الروقي
عذرا لم أر تعليقيكما وإلا لما علقت ..
أخي الكريم حارث همام
الحمدلله فقد تحولت اللهجة من لهجة من يود أن يصفع إلى لهجة لينة
أخي الكريم قلت:
(ولكن الإقواء حاصل ولا يغني التزام وضع السكون على رويها، فهذه كلمات معربة بحركات فيها اختلاف، فتسكينها تحكم إما أن تعده إقواء أو تقول أقيدها ومثل هذا التقيد عيب لا يقل عن الإقواء).
لا شك أن القافية المطلقة أقوى من المقيدة وهي أغلب استعمالا عند الشعراء، أما أن تقييد القافية لا قل عن الإقواء فهذا كلام غريب غريب
فماذا نفعل بقول امرئ القيس:
فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
تميم بن مر وأشياعها وكندة حولي جميعاً صبر
إذا ركبوا الخيل واستلأموا تحرقت الأرض واليوم قر
تروح من الحي أم تبتكر وماذا عليك بأن تنتظر
ديوانه 109
وقول طرفة:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ومن الحب جنون مستعر
لا يكن حبك داءً قاتلا ليس هذا منك ماوي بحر
ديوانه 50
ثم التسكين جاء لمقتضى وهو الوزن
كيف تكون القافية مطلقة في متفاعلان؟
أما البيت الأخير عندي فهو كالآتي
واللهِ جرمٌ أن توجِّهَ في محبتهمْ ملامْ
ولم أدر ماذا عنيت من اختلاف الإعراب ..
وجزاك الله خيرا
¥