والعمل تكون منفعته وفائدته تارة من جهة الأمر فقط، وتارة من جهة صفته فى نفسه، وتارة من كلا الأمرين فبالإعتبار الأول ينقسم إلى طاعة ومعصية وبالثانى ينقسم إلى حسنة وسيئة والطاعة والمعصية إسم له من جهة الأمر والحسنة والسيئة إسم له من جهة نفسه وإن كان كثير من الناس لا يثبت إلا الأول كما تقوله الأشعرية وطائفة من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم ومن الناس من لا يثبت إلا الثانى كما تقوله المعتزلة وطائفة من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم.
و الصواب إثبات الإعتبارين كما تدل عليه نصوص الأئمة وكلام السلف وجمهور العلماء من أصحابنا وغيرهم
فأما كونه مشقا فليس هو سببا لفضل العمل ورجحانه ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقا ففضله لمعنى غير مشقته والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره فيزداد الثواب بالمشقة كما أن من كان بعده عن البيت فى الحج والعمرة أكثر يكون أجره أعظم من القريب كما قال النبى لعائشة فى العمرة أجرك على قدر نصبك؛ لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة، و بالبعد يكثر النصب فيكثر الأجر، وكذلك الجهاد
وقوله صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذى يقرأة ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران فكثيرا ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل، ولكن؛ لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب هذا فى شرعنا رفعت عنا فيه الآصار والأغلال ولم يجعل علينا فيه حرج ولا اريد بنا فيه العسر
وأما فى شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة منهم وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوبا مقربا إلى الله لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا وإنقطاع القلب عن علاقة الجسد وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم ولهذا تجد هؤلاء مع من شابههم من الرهبان يعالجون الأعمال الشاقة الشديدة المتعبة من أنواع العبادات والزهادات مع أنه لا فائدة فيها ولا ثمرة لها ولا منفعة إلا ان يكون شيئا يسيرا لا يقاوم العذاب الأليم الذى يجدونه ونظير هذا الأصل الفاسد مدح بعض الجهال بأن يقول فلان ما نكح ولا ذبح وهذا مدح الرهبان الذين لا ينكحون ولا يذبحون وأما الحنفاء فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لكنى أصوم وافطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتى فليس منى .. )
المجموع 10/ 620 - 623
و أشار إلى نحوه العز بن عبد السلام فيما نقله السيوطي في الأشباه فقال: (تنبيه: أنكر الشيخ عز الدين كون الشاق أفضل. وقال: إن تساوى العملان من كل وجه في الشرف، والشرائط، والسنن، كان الثواب على أشقهما أكثر، كاغتسال في الصيف والشتاء، سواء في الأفعال، ويزيد أجر الاغتسال في الشتاء بتحمل مشقة البرد، فليس التفاوت في نفس العملين، بل فيما لزم عنهما. وكذلك مشاق الوسائل، كقاصد المساجد، أو الحج أو العمرة من مسافة قريبة، وآخر من بعيد، فإن ثوابهما يتفاوت بتفاوت الوسيلة، ويتساويان من جهة القيام بأصل العبادة، وإن لم يتساو العملان، فلا يطلق القول بتفضيل أشقهما. بدليل أن الإيمان أفضل الأعمال، مع سهولته وخفته على اللسان، وكذلك الذكر، على ما شهدت به الأخبار، وكذلك إعطاء الزكاة مع طيب النفس، أفضل من إعطائها مع البخل، ومجاهدة النفس، وكذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، وجعل الذي يقرؤه ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران.).
ـ[أبو تيمية إبراهيم]ــــــــ[05 - 06 - 04, 03:15 م]ـ
63 - لا يحب و لا يعظم شيء لذاته إلا الله سبحانه
قال شيخ الإسلام: (والمحبوبات علي قسمين قسم يحب لنفسه وقسم يحب لغيره إذ لا بد من محبوب يحب لنفسه وليس شيء شرع أن يحب لذاته إلا الله تعالي.
وكذلك التعظيم لذاته تارة يعظم الشيء لنفسه وتارة يعظم لغيره وليس شيء يستحق التعظيم لذاته إلا الله تعالي، وكل ما أمر الله أن يحب ويعظم فإنما محبته لله وتعظيمه عبادة لله.
فمن تمام محبة الشيء = محبة محبوب المحبوب، و بغض بغيضه، و يشهد لهذا الحديث " أوثق عري الإيمان الحب في الله والبغض في الله " و في السنن " من أحب لله وأبغض لله وأعطي لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان "
فمن أحب شيئا لذاته أو عظمه لذاته غير الله = فذاك شرك به.
¥