و لست – بحمد الله تعالى – على طريقة الروافض؛ فأعتقد في الأئمة العصمة، و لا على ضلالة الخوارج؛ فأكفر من زاغ ... مالم يكفر ببدعته ...
بل نترحم على علمائنا، و نقر بفضلهم، و ننزل الناس منازلهم، دون إفراط و لا تفريط ... و ما منهم إلا له مقام معلوم ... قد جعل الله لكل شيء قدرا.
16 - ثم ما ادعيتموه من لمزي للإمام عبد الله بن إدريس السنوسي، فحاشا لله تعالى أن ألمز عالما بله الشيخ السنوسي .....
- أقول: هذا حرف كلامك؛ فتأمله:
وكان رحمه الله شديد اللهجة عنيفا، رفض التقليد جملة وتفصيلا واعتبره ضلالا، وأقام ما أقامه أهل الحديث على أشعرية المشرق المتشددين على أشعرية المغرب الذين كانوا أميل إلى مذهب أهل الحديث ولا يرونه عيبا، وهكذا انشغل في تضليل كبار العلماء، لاتباعهم مذهب مالك، إذ كان ينكر التمذهب من أصله، ولعقيدتهم الأشعرية، ثم زندقهم لتصوفهم، ومعلوم أن تصوف الفقهاء تصوف متزن معتدل لا تصوف الخرافة والشعوذة، فأقام عليهم ما يقام على المشعوذين وهو حديث السن بينهم، ليس ذا شوكة في العلم ولا في المكانة.
أضف إلى ذلك أنه كان ينكر تسويد النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاءه بسيدنا، وينكر المدح النبوي، في وقت كان ملازما للملوك وأرباب الدولة، خاصة الحسن الأول والمولى عبد العزيز قبل وبعد خلعه، ويعظمهم ويكثر مدحهم وإجلالهم، وهو أمر نفر منه العامة والخاصة لأنهم رأوا تناقضا بين ما يقوله في حق النبي صلى الله عليه وسلم وما يقوله في حق الملوك وأرباب الرئاسة.
فأجبتك بقولي:
كذا رماه بفاقرة إنكار المدح النبوي، و هذا افك محض غير ممزوج، و اختلاق صرف غير مخلوط، و هل يوجد مسلم ينكر مدح خير خلق الله، و أحبهم إليه، و أقربهم عنده زلفى، اللهم لا، و إنما أنكر – رحمه الله – ما ينكره كل سني أثري، من الغلو في الإطراء الذي نهى عنه حبيبنا و قرة أعيننا رسول الله و خليله صلى الله عليه و سلم ... لكن الطرقية يفترون الكذب، و يرمون أهل السنة و الأثر بما سيقتص الله لهم من المفترين يوم الحساب.
و لو لا ضيق المجال؛ لنقلت ثناء المؤرخين الثقات في الثناء على الإمام السلفي ابن إدريس السنوسي، و أحيل من أراد معرفة منزلته، وتبين مكانته، إلى معجم شيوخ عبد الحفيظ الفهري الفاسي، المترجم برياض الجنة = المدهش المطرب؛ فقد شفى و كفى، ونسف كثيرا من الأباطيل التي لفقها و ائتفكها الطرقية القبوريون ...
و ممن عرف منزلة هذا الإمام: المؤرخ الشهير عبد السلام بن سودة، و ترجمه ترجمة جيدة في اتحاف المطالع، و في سل النصال ... و تجد كلامه في معلمة أعلام المغرب ... 8/ 3005 ...
وللشيخ محمد بن عبد السلام السايح كلام جيد في هذا، في مقاله المنشور في مجلة دعوة الحق عن الحركة السلفية الإسلامية بالمغرب، و نزول الشيخ أبي شعيب الدكالي بالرباط، لو لا ضيق الوقت؛ لنقلته ...
و ممن تتلمذ له من المشارقة: الشيخ أبو الأشبال أحمد بن شاكر، و قد حلاه بأوصاف رفيعة في ديباجة مفتاح كنوز السنة ...
أتصف هذا ادعاء، و تعده دعوى ... أرجوك، تأمل، و أنعم النظر.
ـ[العاصمي]ــــــــ[19 - 07 - 05, 05:45 ص]ـ
17 - ثم إنني كنت أحلل مواقفه في المغرب ومواقف العلماء تجاهه، لم أزك تلك المواقف، ولم أنتقدها، إنما كنت أحللها ولي مصادري في ذلك، ويعلم الله تعالى أن ما قلته هو الحق والواقع، ولولا ذلك لكان له تأثير كبير في المغرب.
يأخي، لقد قطعت و جزمت بعنفه ... و تشدده ... و انشغاله – كذا – بتضليل كبار العلماء – تأمل -؛ لاتباعهم مذهب مالك – كذا -، و ذكرت أنه زندقهم ... و بتت و قطعت أنه ليس ذا شوكة في العلم، و لا في المكانة – كذا! -.
و منزلة السنوسي في العلم، و مكانته عند الملك، مما لا يخفى على من شدا شيئا من أخباره ... و لو لا طول النقول؛ لسردت مما يدل على علو مكانته في العلم و الشرف = ما يقطع المراء في شأنه.
و قد ساءتني جرأتك على إشهاد الله على أن ما قلته هو الحق ... و كان حسبك أن تبدي دلائل دعواك، دون أن تشق على نفسك بتقحم المقحمات ...
18 - ثم قولكم بأنه رحمه الله كان إماما للسلفيين وأهل الحديث بالمغرب غير صحيح، فالشيخ رحمه الله لم يتصد للتدريس ولا للتأليف، ولم يأخذ عنه أحد من علماء المغرب ملازمة ودراسة وتشبعا، إنما جل الآخذين عنه أخذوا رواية فقط. فمن حيث الواقع ليس إماما لهم، ومن حيث الانتماء يعتبرونه من أئمتهم وإن لم يأخذوا عنه وليست له كتابات ينقلون عنها.
أما أئمة السلفيين في المغرب فهم: أبو شعيب الدكالي، ومحمد بن العربي العلوي، وتقي الدين الهلالي، ومحمد المهدي العلوي، ومحمد إبراهيم بن أحمد الكتاني، وأمثالهم، هؤلاء الذين نافحوا عن الأفكار السلفية في الجملة، وإن كان بين بعضهم وبين التيار السلفي اختلاف.
ليس من شروط الإمامة الشهرة بالتأليف و التصنيف ... و إنما أسها، و ركنها الأساس: الرسوخ في اتباع السنة، و الانتصاب للدعوة، و الأهلية لمقام القدوة و الإمامة ... و قد حاز السنوسي من ذلك كله القدح المعلى، و النصيب الأوفر، و الله حسيبه ...
و قد ذكرت من أئمة السلفيين بالمغرب ... أبا شعيب الدكالي، و محمد بن العربي العلوي؛ فأين تصانيفهم و تواليفهم؟!
و قد جهر السنوسي – رحمه الله – بالدعوة إلى السنة في مقامات لا يقومها إلا الصديقون ... و لا نزكيه على الله ... و صك الطرقيين، و أفحمهم أمام الأمراء و الوزراء، و هو وحيد فريد، و شيوخ الطرق يتألبون عليه، و يفترون ... و هو ثابت الجأش، كالطود الأشم، لا يتزلزل، و لا يتزعزع، و لا يتزحزح ...
فكيف يدعى – بعد هذا كله – أن محمد بن عبد الكبير أول من دعا إلى العمل بالكتاب والسنة في القرن المنصرم.
اللهم إن هذا مباين للحق والواقع ...
¥