ومنهم: مجيزنا شيخ علماء الحجاز، وابن أدهم وقته، الشيخ محمد حبيب الرحمن بن علي الكاظمي الهندي، المتوفى سنة 1322، قال في إجازته له بعد مدح العلم: ((وإن ممن وُفق لتحصيله، وشمر على ساق الجد والاجتهاد في سبيله، وصرف جوهرة حياته في حل مشكلاته، وأفنى زهرة شبابه في توضيح معضلاته؛ حضره الإمام العالم العلامة، القدوة اللوذعي الفهامة، مفخر الأوائل والأواخر، وارث العلم كابرا عن كابر، فرع الشجرة النبوية، معدن الجود والفتوة، الأستاذ العارف الرباني الشيخ محمد ... )).إلخ.
ومنهم: الشيخ الأكبر، عالم الهند وعارفه: محمد حسين بن تَفَضُّل حسين العمري الهندي المتوفى سنة 1322، تدبج معه وحلاه في إجازته له بـ: ((العلم الأوحد، الفاضل المفرد، مالك الملكات، صاحب الكمالات الوهبية والكسبية، البحر الخضم الحلاحل المطمطم ()، قرة عين الزمان، إنسان عين الإنسان الذي يباهي بكماله الكمال، وحامت حول بحره العذب ألباب الرجال، العارف الشهير مولانا الشيخ محمد ... )).الخ.
ومنهم: رئيس العلوم اللسانية بمصر، العلامة الكبير الشيخ محمد محمود الشنجيطي المتوفى سنة 1322، كان يقول له لما اجتمع به بمصر سنة 1321: ((ما جاءنا من المغرب مثلك!))، ولما قرأ عليه كتابه: "الاستباقات إلى حضور موائد صلة الحق للموجودات" ()؛ حصل له سرور كبير، حمله على أن قال: ((ما سمعت أفصح من هذا الكلام!)).
ومنهم: شيخنا الإمام محدث الإسلام، أبو شعيب بن عبد الرحمن الصديقي الدكالي المتوفي سنة 1350، حلاه في إجازته لشقيقي الأكبر بـ: ((الشريف الأجل، العالم الأمثل، الحافظ اللافظ، الذي كرع من بحري الشريعة والحقيقة حتى ارتوى، سيدي محمد بن سيدي ومولاي عبد الكبير الكتاني الحسني، رضي الله عنهم ونفعنا ببركاتهم آمين)).
وحدثني كثير من إخواننا الكتانيين بمراكش، أنه: لما كان يدرس الصحيح بها أيام وزارته، قال للجماهير الغفيرة التي كانت تحضر دروسه: ((ما رأت عيني من يحسن دراسة التفسير كالشيخ سيدي محمد الكتاني رحمه الله، سواء في المغرب أو المشرق))، وصار يصف لهم مجالس المترجم بالحرم المكي حينما كان يدرس التفسير به سنة 1321هـ.
ومنهم: مجيزنا الإمام الوزير، أبو زيد عبد الرحمن ابن القرشي الإمامي المتوفى سنة 1358هـ، قال لي ولشقيقي الأكبر لما ذهبنا لتهنئته بوزارة العدل بمحل سكناه بالرباط: ((ما كنا - معشر فقهاء فاس - نعلم أن والدكم - رضي الله عنه - يتقن علم النوازل، ويعرف أبواب المعاملات من الفقه المالكي معرفة كبرى، حتى ضمنا وإياه مجلس الشورى بالقرويين، ورغما عن كون السلطان عبد الحفيظ كان يصرح له غير ما مرة بأنه يعتبره رئيسا للمجلس لا عضوا فيه، فما كان يتميز علينا بشيء، نعم؛ كان يتفوق علينا بمهارته العجيبة في علم الفقه، وخصوصا أبواب المعاملات، ويوجد للمشاكل العويصة التي كانت تعرض علينا حلولا سريعة، مستدلا على أصوبية آرائه بكلام أيمة الفقه المالكي الأقدمين، ويحيلنا على كتبهم التي لم تطرق أسماعنا قط، ويبدي استعداده لإطلاعنا عليها متى شئنا، وفي بعض الأحيان كان يصحبها معه، ويوقفنا عليها، ويلفت أنظارنا للاعتناء بها على غيرها، لما اشتملت عليه من الأقوال المعتمدة على الكتاب والسنة، ولخلوها من الجدال الذي لا طائل تحته)).
((وكان يعتني بإيراد نصوص المذاهب الأخرى، التي تؤيد الفقه المالكي، في المشكل الذي نكون بصدد حله، مع ذكر الدلائل التي اعتمدوا عليها جميعا من كتاب الله وسنة رسوله، وترويج القواعد الأصولية بشكل يلفت الأنظار، ولا أكون مبالغا إذا قلت: إن علمه الجم كان يرغمنا على الاعتراف في غيبته بأنه آية لله في الكون! - رحمه الله رحمة واسعة)).
وقال لي مرة أخرى بفاس: ((إن والدكم كان جوهرة نفيسة لم نعرف قيمتها الحقيقية إلا بعد فقدنا لها، وقد وقعنا في جميع ما كان يحذرنا منه في أواخر عهد الاستقلال، فإنا لله وإنا إليه راجعون ... )). ثم أطلق عذبة لسانه في الثناء عليه وتعداد كراماته.
وفي هذا النقل تفنيد لحال من حاربوه وخالفوه.
¥