10. التذوّق الدقيق لأسلوب المؤلف الكتابي، والمعرفة بالخصائص الأدبيّة في عصره، ومطابقة ذلك على مضمون الكتاب. أو بعبارة مختصرة: تحكيم العلم والعقل في معرفة العنوان المناسب. ولا يُلجأ لهذه الوسيلة إلا في حالتين: الأولى: عند عدم الوقوف على عنوان للكتاب البتة. الثانية: عند الترجيح بين عناوين جاءت ببعض الوسائل السابقة، كترجيح عنوان غير مسجوع على آخر مسجوع لكتاب أُلِّف في القرن الثالث مثلاً، والعكس بالنسبة لكتاب من القرن العاشر مثلاً.
وبعد أن انتهى المؤلف من سرد هذه الوسائل، ختم ذلك بالتنبيه على أن الغرض من هذه الوسائل أن تكون مرجّحات، بناء على مناحي قوّتها وأسباب ضعفها، لا أن تكون حدودًا لا تُتَجاوز. وأن هذه الوسائل إنما رُتِّبت بناءًا على الأكثر وقوعًا، وإلا فقد يعرِضُ للمفوق ما يجعله فائقًا. ثم إنه قد يوقف على أكثر من عنوان بأكثر من وسيلة، وتجتمع ثلاث وسائل دُنْيا مثلاً على عنوان، وتنفرد الوسيلة الثانية أو الثالثة بعنوان آخر، فقد يترجح لدى الباحث العنوان الأول، لتتابع الوسائل عليها، وقد لا يحصل ذلك. وأخيرًا أشار إلى أن الطول قرينةٌ مُرجِّحة للعنوان الصحيح في الغالب.
عرض المؤلف بعد ذلك لجملة من الأخطاء التي وقعت من بعض المُحقِّقين في عناوين الكتب، وقد سرد سبعة وأربعين مثالاً، في سبعٍ وأربعينَ صفحةٍ. وقد تنوعت الأمثلة على الفنون المختلفة غير أن أغلبها جاء في علم الحديث، وهو العلم الذي تخصَّصَ فيه المؤلف وبرع. وليس من نية هذا المقال العَجِل الوقوف عند التقعيد أو التطبيق بالمناقشة أو الإضافة -إلا ما عرض-، وإنما هو العرض والتعريف بهذه الدراسة المتميزة، والحث على الإفادة منها، ومتابعة البحث فيها، وفي غيرها من مسائل علم التحقيق.
وعليه فلا بأس إن أشرنا إلى مثالٍ عجيبٍ فاضحٍ للتصرُّف في عنوان الكتاب، وفي نسبته لصاحبه، فضلًا عن الأخطاء في النَّص المُحقَّق، هذا المثال كتب عنه العلامة الدكتور محمود الطَّناحي -رحمات الله عليه- بحثًا أسماه: (صنعة الشّعر للسِّيرافي هو "كتاب في العروض" لأبي الحسن العروضي)، فليُراجع، فإنَّه نفيسٌ.
وأخيرًا جاء المبحث الخاتم بعنوان: (إحكام كتابة عنوان الكتاب)، وفيه أشار المؤلف إلى واجب المحقق في العناية بغلاف الكتاب الخارجي وبصفحة العنوان، وألا يعتبر ذلك من عمل الناشر أو الطابع. وضرب أمثلة للأخطاء المخالفة لإحكامه:
• الخطأ في ضبط أحرف العنوان، ومن أمثلة ذلك: كتاب (جامع المسانيد والسُّنَن الهادي لأقوم سُنَن) لابن كثير، بهذا الضبط طُبِع الكتاب، وصوابه (لأقوم سَنَن) بفتح السين لا ضمها، بمعنى: الطريق.
• سوء إخراج عنوان الكتاب، والخطأ في ترتيب أحجامه صغرًا وكبرًا، وفي إبراز ما حقُّه أن يكون دون غيره في البروز. فمثلاً لا يصحُّ تقديم اسم الشهرة بكتابته فوق العنوان الصحيح أو بإبرازه أكثر من العنوان الصحيح، إمِّا بتكبير حروف اسم الشهرة على حروف العنوان الصحيح، أو بوضع اسم الشهرة ضمن إطار أو في وسط لون متميِّز يجعله أول ما يلفت انتباه المطالعين للكتاب، فإن ذلك كلَّه الحقيقُ به هو العنوان الصحيح دونما سواه. وأمَّا اسم الشهرة فالأفضل عدم ذكره، إحياءً للاسم الصحيح وإعانة على إماتة غيره. فإن اضطر المحققُ لذكر اسم الشهرة، فالأولى أن يكون تحت العنوان الصحيح وبخطٍّ صغيرٍ وبين قوسين مُقدِّمًا بعبارة (المشهور بكذا) ونحوها.
قلتُ: أرى أن الأفضل ذكر اسم الشهرة- سواء كانت الشهرة في القديم أو الحديث-، في حال عدم أمن اللبس، وذلك للوقاية من الظنّ بتباين الكتب وتعدُّدها، أمّا إن أُمن اللبس فلا. ومن الأمثلة التي ذكرها: كتاب (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) لياقوت الحموي، المشهور بـ (معجم الأدباء).
• سوء إخراج عنوان الكتاب، بالخطأ في ترتيب مقاطعه وجُمله، ممِّا يوهم بفهمٍ مخالفٍ للصواب، كان من الممكن تفاديه بُحسْنِ ترتيب مقاطع العنوان. وضرب لذلك مثالين: كتاب (الباعث الحثيث)، وكتاب (مناهل العرفان للزرقاني دراسة وتقويم) لخالد السبت، ولكن يطول إيراد تفصيل الخطأ فيهما، فليراجعهما من شاء.
¥