[لماذا يعمل المستشرقون على تراثنا تحقيقا ودرسا؟]
ـ[إبراهيم اليحيى]ــــــــ[12 - 06 - 10, 03:05 ص]ـ
[لماذا يعمل المستشرقون على تراثنا تحقيقا ودرسا؟]
لا تعتقد أن المستشرقين يعملون على تحقيق ودراسة تراثنا لسواد عيوننا، ولكن لابد أن تعرف حالنا معهم ثم لماذا يعملون على تحقيق ودراسة تراثنا.
حالنا مع المستشرقين:
الفريق الأول: يجعل مبدأ المؤامرة نصب عينيه، فيشتم ويلعن كل مستشرق، والمستشرقون عند هذا الفريق أنجاس أرجاس لا خير فيهم ولا في أعمالهم.
الفريق الثاني: لديه عقدة الخواجة فتجد هذا الفريق يؤمن إيمانا تاما بأن كل ما يقوله الخواجة هو الصحيح وأن أي عمل يكون بتوقيع مستشرق معنى هذا أن العمل علمي والقول ما قالت حذام.
الفريق الثالث وهو المختار: التفصيل في حال المستشرقين على قاعدة (يقبل الحق ممن جاء به) ونحن أهل السنة أهل إنصاف فليس كلهم أنجاس أرجاس ولا كلهم ملائكة، بل التروي أثناء التمحيص ثم الحكم على العمل. فمن المستشرقين من قضى عمرا طويلا في تحقيق تراثنا فختم له بخير وأسلم ومنهم من أخفى إسلامه ومنهم من مات على كفره ولكنه كان علميا ومنهم من أداه حقده وسوء ظنه ومعتقده الباطل إلى تتبع الأخطاء ومواطن الخلاف وبدأ بحماقاته يعيرنا ودس دسائسه بل بعضهم صرح ببغضه وحقده في رابعة النهار.
إذن لماذا يعمل المستشرقون على تراثنا درسا وتحقيقا؟
الجواب: قال محمد طه الحاجري في مقالة له في دورية عالم الفكر الكويتية عدد مايو يونيو 1977م: " ... التراث العربي كان يمثل لهم عنصرا من عناصر حركة الإحياء التي تمثلت في إحياء الآثار العقلية الأولى.
فهذا التراث كان من أسبابهم إلى تراثهم اليوناني، فعن ابن رشد وابن سيناء والخوارزمي وغيرهم علماء المسلمين عرفوا أرسطو وأبقراط وبطليموس، وبالكتب العربية التي كانت عماد درسهم وقوام ثقافتهم في أبان تلك الحركة، ككتب الكندي والفارابي وابن الهيثم والغزالي، استطاعوا أن يتصلوا بتراثهم اليوناني.
وأحسب أن حركة نشر الكتب العربية التي بدأت عند الأوربيين بعد اختراع المطبعة إنما كانت لونا من ألوان الاستجابة لهذه الحاجة العقلية، إذ نجد بين ما نشر هناك في القرن السادس عشر كتاب النجاة وكتاب القانون في الطب لابن سيناء، وتحرير أصول الهندسة لإقليدس لنصير الدين الطوسي، وقد طبعت في روما ثم تمضي هذه الحركة قدما وتنشر هنا وهناك فتتخذ لها مراكز مختلفة في أنحاء العالم الأوربي: في لندن وأمستردام ولاهاي واكسفورد وكمبردج وباريس ومدريد وروستك وهالة وفينا وغيرها من المدن الأوربية وقد كان تحقيق كتب التراث العربي من أول ما عنيت به، فتناولته من أطرافه المختلفة: تاريخية وجغرافية وفلكية وفلسفية وأدبية. بل إنها امتدت إلى كتب النحو العربي فكان من أوائل ما طبع في روما كتاب الكافية للعالم المصري جمال الدين ابن الحاجب.
ومن أجل هذه الغاية أنشئت جمعيات الاستشراق ... وعنها صدرت المجموعات التي عنيت بتحقيقها ونشرها بعنوان: النشريات الإسلامية.
وفي ظلال هذه الحركة نشأ كثير من المستشرقين الذين وجهوا كثيرا من عنايتهم إن لم يكن جلها، إلى نشر التراث نشرا محققا في حدود القواعد المتبعة عندهم مثل كاردون الفرنسي الذي نشر في منتصف القرن الثامن عشر شذرات من كتاب السلوك للمقريزي باعتبارها وثيقة من وثائق تاريخ لويس التاسع.
على أن أكثرهم فيما أعلم جعل تحقيق هذا التراث ونشره غاية في حد ذاته لا من حيث كونه مرتبطا بما يعالج من بحث. انتهى كلام الحاجري.
وعليه يتبين لك خارطة تكون أهل الاستشراق ففي البدء أخذوا منهج الأوربيين في تحقيق التراث اللاتيني واليوناني وطبقوه على التراث العربي ومن التراث العربي كانت البداية في التراث الذي يوصلهم إلى نصوصهم ترجمة أو شرحا أو إبداعا، ثم من باب اللذة والتراف تولى بعض أهل الاستشراق تحقيق أعمال تراثية أدبية محضة ليس لتراثهم به أدنى علاقة ثم تطور الوضع ومما ساعدهم أننا كنا في سبات عميق وهم يعملون حتى تعالموا فبدأ يخرج لنا جيل منهم يفتي ويزعم أنه يشارك في إعادة كتابة التاريخ الإسلامي ثم فضح بعضهم فقلبوا ظهر المجن.
الذين كانوا بالأمس يدعون المنهجية صاروا اليوم يهرفون بما لا يعرفون فاتهم أهل الاستشراق قاطبة بشناعة أعمالهم وركاكتها، فحاولوا الالتفاف على مصطلح الاستشراق فما من مستشرق اليوم إلا ويعتبر مصطلح الاستشراق مذمة لأن بعض بني جلدتهم شوهوا هذا المصطلح. فأصدرت مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض كتيبا تحت عنوان (الالتفاف على الاستشراق) وبينت مساوئ هذا اللقب الذي كان بالأمس مجدا ذائع الصيت. والله المستعان