تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[(كيف تحقق مخطوطا) للمبتدئين.]

ـ[إبراهيم اليحيى]ــــــــ[03 - 08 - 10, 10:01 ص]ـ

(كيف تحقق مخطوطا)

للمبتدئين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد أما بعد:

فلا يخفى على الجميع أهمية التراث، وأن أي أمة من الأمم تحافظ على تراثها هي أمة تستحق الاحترام والتقدير، فضلا عما يقدمه التراث أيا كان شكله لهذه الأمة أو تلك لبناء المستقبل.

لا بد لي أن أُعرِّف معنى التحقيق ومعنى المخطوطات ومعنى التراث ولو على عجل، لأنني لاحظت البعض ممن يقرأون ما كُتِبَ على أغلفة الكتب المحققة تحقيق فلان بن فلان. فيتساءلون في تعجُّب ما المراد بتحقيق فلان بن فلان؟!!.

نبدأ على بركة الله على شكل حلقات:

(الحلقة الأولى)

التحقيق في اللغة: ضبط الشيء وإحكامه، ومنه ثوب محقق إذا كان مُحكم النسج.

والتحقيق في الاصطلاح: ضبط النص وإحكامه كما أراده مؤلفه، أو أقرب ما يكون إلى ذلك.

المخطوطات: جمع مخطوط بالتذكير أو مخطوطة بالتأنيث كلاهما صحيح.

ولم يعرف هذا المصطلح (المخطوط) بالمعنى المراد إلا بعد ظهور ما يقابله وهو (المطبوع)، وبضدها تُعرف الأشياء. وإنما كانت إشارة القدماء إلى الكتب التي استفادوا منها أو نقلوا عنها بلفظ ((الكتاب)) أو ((النسخة)) أو ((الجزء)) أو ((المجلد)). وجاء عند الزمخشري في كتابه أساس البلاغة تحت مادة (خطط) قوله: وكتاب مخطوط. وهو بالطبع لا يريد المعنى الذي نحن بصدده الذي يقابل المطبوع.

ولهذا يُعرَّف المخطوط تعريف أغلبي: كل ما خط باليد على شكل كتاب أو وثيقة أو ما شابه ذلك. ويخرج بذلك ما يُكتب على شواهد القبور ونُقش على الصخور داخل الكهوف أو خارجها.

وبعض المطبوعات القديمة كالطبعات الحجرية البواكير أو حتى الطبعات المتأخرة نسبيا التي انقطع ذكرها تُعامل عند أهل تحقيق التراث معاملة المخطوط وإن كانت لا تدخل في التعريف.

وعلم المخطوطات إما أن يقال عنه: علم المخطوطات، أو علم الإكتناه، أو الكوديكولوجيا. وعندي أن المصطلح الأول أولى إلا أن الأمر في هذا واسع. ولست بصدد شرح علم المخطوطات لنتناول القضية حول المصطلح بشيء من الإفاضة. ولكن باختصار شديد فإن مصطلح (الإكتناه) مما ينادي به أستاذنا أ. د قاسم السامرائي وله كتاب بهذا العنوان صدر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات، ومصطلح (كوديكولوجيا) مصطلح فرنسي يميل إليه كثير من المغاربة وعلى رأسهم أستاذنا أ. د أحمد شوقي بنبين مدير الخزانة الحسنية الملكية بالرباط. ونشكر للأكابر اجتهادهم وحرصهم والأمر فيه سعة إن شاء الله.

أما التراث فهو كل ما ورثناه من علم ومعرفة ويراد به هنا تراثنا المخطوط، ولعله من المناسب تقسيم التراث إلى أنواع:

النوع الأول التراث الشرعي: كعلوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم الفقه وغيرها. ولهذا النوع النصيب الأوفى في التحقيق والعناية. ويحتاج للمزيد لأن ثلثي المخطوطات في العالم لم يُفهرس بعد.

النوع الثاني التراث اللغوي: وهو يلي التراث الشرعي في التحقيق والعناية. ويراد باللغة اللغة بفروعها التي تزيد على عشرة فنون. وأشهرها النحو والصرف وعلوم البلاغة والمعاجم.

النوع الثالث التراث الأدبي ويدخل فيه العلوم والمعارف العامة: وهو كالتراث اللغوي من حيث العناية. وهو باب واسع.

النوع الرابع التراث العلمي: وهو أقلها عناية من قِبل المسلمين والعرب، ويراد به الفنون العلمية البحتة والتطبيقية. كالطب والصيدلة والفلك والرياضيات والهندسة والكيمياء والفيزياء .... إلى آخر القائمة.

وبمناسبة التراث العلمي: حدثنا أستاذنا الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد باشا أحد المهتمين بالتراث العلمي أن أحد الغربيين واسمه ((ريتشارد باورس)) سُئل وغيره من المشاهير قبل نهاية الألفية الميلادية؛ ما هي أعظم فكرة في الألف سنة الماضية؟ فكلٌ أجاب بما يراه مما حير العقول. هل الكهرباء هو أعظم ما حدث في الألف سنة الماضية؟ أم فكرة الجاذبية لنيوتن، أم فكرة النسبية لإنشتاين أم باقي الاختراعات المهمة ....

كل هذا كان هباءً منثورا أمام إجابة ((ريتشارد باورس)) حيث قال في مقال له في مجلة النيويورك تايمز: إن أعظم فكرة في الألف سنة الماضية هي فكرة المنهج التجريبي للعلم فهي التي أنقذت أوروبا من عصور الظلام والانحطاط إلى حضارة جديدة وتقدُّم ملحوظ على جميع الأصعدة فعمَّ التقدم جميع المعمورة واستفادت الإنسانية منه. وكان صاحب هذه الفكرة هو العالم العربي المسلم الحسن ابن الهيثم (ت 430هـ) الذي كسر نظريات العلماء القدماء من خلال تجاربه التي طارت في الآفاق وفتح الأبواب لمفهوم حياة جديدة، فتُرجمت أعماله وطورت لنصل إلى هذا التقدم. انتهى كلامه.

ويقرر غير واحد من علماء التراث العلمي أن التراث العلمي العربي فيه علوم ومعارف لم ترى النور بعد، مما قد يجعل العالَم أكثر فهما وعمقا وتطورا، والحق أن هناك علماء قبل ابن الهيثم قد قرروا المنهج التجريبي. لكن الشاهد من إيراد إجابة ((ريتشارد)) أن التراث العلمي العربي يحتاج مثل غيره من أنواع التراث ((العناية والاهتمام)).

وإن كان الشاب الإنقليزي يتكأ على أريكته في انقلترا ويتفاخر بنيوتن ونظرياته وما قدمه للعالَم، رغم أن كثيرا من نظرياته منقوضة أو سُبق إليها.

فيحق للشاب المسلم أن يتفاخر أمام الكفار بمن سبق نيوتن بقرون وقدَّم لنا علماً يُحترم ويُقدر، وهذا لا يتم إلا بتحقيق التراث العلمي العربي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير