[علم اللغة الاجتماعي]
ـ[منسيون]ــــــــ[18 - 02 - 2007, 06:57 م]ـ
تمهيد:
من أعظم الاكتشافات التي عرفها الإنسان على مر العصور اللغة، فقد نشأت باتفاق جمعي نتيجة حاجات الفرد والجماعة، وهي أحد العوامل المؤثرة في المجتمع تبقى ببقائه وتزول بزواله، كما أنها قطعة من الحياة التي نشأت فيها وسارت معها وتغذت بغذائها ونهضت بنهوضها وركدت بركودها.
و لايمكن فهم اللغة وقوانين تطورها بمعزل عن حركة المجتمع الناطق بها في الزمان والمكان المعينيين، لأن فيها من الإنسان فكره وطرائقه الذهنية، وفيها من العالم الخارجي تنوعه وألوانه، وهذه النظرة الاجتماعية إلى اللغة أكدها العالم (فيرث) بقوله: "لنبدأ نعتبر الإنسان ليس مفصولا عن العالم الخارجي الذي يعيش فيه، إنه ليس إلاّ جزءاً منه ...... فكلامك ليس مجرد تحريك اللسان أو اهتزاز في الحنجرة، إنه أكثر من ذلك نتيجة لعمل العقل في تأدية وظيفته كمدير للعلاقات، لتحفظ عليك سيرك في المحيط الذي تعيش فيه".
ومن أهم الجوانب التي يمكن رصدها في هذا الموضوع:
1 - مفهوم علم اللغة الاجتماعي وموضوعه وأهميته.
2 - العلاقة بين اللغة والثقافة.
3 - التنوع اللغوي.
4 - الصراع اللغوي.
أولاً: علم اللغة الاجتماعي
إن دراسة اللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية ومكونا من مكونات الثقافة قد حظيت بنوع من الاستقلال ونوع من الاهتمام الخاص، وأصبح لها علم معترف به تشيع الإشارة إليه بمصطلح (علم اللغة الاجتماعي) Sociolinguistics وهو العلم الذي يدرس اللغة في علاقاتها بالمجتمع، وينتظم كل جوانب اللغة وطرائق استعمالها التي ترتبط بوظائفها الاجتماعية والثقافية.
وقد تعددت التسميات التي يتفق بعضها في المضمون بشكل أو آخر مع علم اللغة الاجتماعي ويختلف في المنطوق، نذكر منها: علم اجتماع اللغة أو علم الاجتماع اللغوي The Sociology of language ، علم الأنثروبولوجيا اللغوية Linguistic Anthropology ، ومهما يكن من أمر هذا الاختلاف فإن هناك نقاط التقاط كثيرة بين موضوعات تلك المباحث.
وتكمن وظيفة هذا العلم في البحث عن الكيفيات التي تتفاعل بها اللغة مع المجتمع والنظر في التغيرات إلى تصيب بنية اللغة استجابة لوظائفها الاجتماعية المختلفة مع بيان هذه الوظائف وتحديدها.
وقد اجتهد علماء اللغة من أمثال: سوسير وماييه وفندريس وفيرث وهاليداي ومالينوفسكي ويسبرسن وفلمور وهاريس وكاردنر وغيرهم على إنشاء هذا الفرع الجديد من فروع علم اللغة، إذ يطمح أصحابه إلى اكتشاف الأسس أو المعايير الاجتماعية التي تحكم السلوك اللغوي مستهدفين إعادة التفكير في المقولات والفروق التي تحكم قواعد العمل اللغوي، ومن ثم توضيح موقع اللغة في الحياة الإنسانية.
ومما شجع على نشوء العلم وتطوره قناعة تكونت لدى عدد كبير من الباحثين أن للغة استعمالات متنوعة، فهي وسيلة تعبير اجتماعي وعلمي وسياسي واقتصادي مما يحتم دراسة خصائص هذه الاستعمالات المختلفة ومعرفة أبعاد التكيف اللغوي مع مختلف الأغراض والمواقف.
أما تاريخ هذا العلم يعود إلى اتصال البحث اللغوي بعلوم المجتمع إلى السؤال الذي طرحه الفلاسفة والمفكرون في القرن الثامن عشر عن العلاقة بين اللغة والشعب الذي يتكلم بها ومن هؤلاء: يوهان فوتغيرد وهالدر وجينس ومن جاء بعدهم.
وتنبع أهمية هذا العلم من اعتبارات عملية ذات نفع كبير على اللغات والجماعات والأمم من خلال سعي هذا العلم إلى أن يمد التحليل اللغوي بعداً يتجاوز المدى الذي بلغه علم اللسانيات الحديثة، كما ويبرز المشكلات اللغوية في المجتمعات النامية كالازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية، وفي حل كثير من مشكلات التعليم والعلاقات الاجتماعية في المجتمعات المتقدمة لما للغة من دور فاعل في الإفصاح عن العلاقات الاجتماعية والثقافية للمجتمع. وتبرز أهميته أيضا في دوره الفاعل في دراسة وسائل الاتصال المختلفة على أساس أن الاتصال هو الوسيلة الهامة التي تنقل بها الحضارة من جيل إلى جيل.
ثانيا: العلاقة بين اللغة والثقافة
يقر الدارسون أن هناك خمسة عناصر أساسية يمكن اتخاذها معيارا لتصنيف البشرية إلى أمم، ولوضع الفوارق بينها متمثلة بـ: الجنس المشترك والدين والقومية واللغة والثقافة.
¥