[لغتنا أو الضياع]
ـ[عاصم بن أحمد]ــــــــ[19 - 03 - 2007, 10:16 م]ـ
إن هذه اللغة هي اللغة الوحيدة في العالم التي ترتبط بالدين ارتباطا وثيقا لا انفصام له، فقد وصف الله تعالى كتابه الكريم بأنه عربي اللغة في عشَرة مواضع منها قوله تعالى:
" إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " يوسف 2
" ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسانُ الذي يُلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين " النحل 103
" ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة، وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين " الأحقاف12
ولذلك يمكن القول إن حب العربية والتعلق بها ليس واجبا وطنيا فقط، وإنما هو واجب ديني، يقول ابن تيمية " فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب "
وحقا إن اللغة لا تُعلّم إلا باللغة، وخير وسيلة لذلك القرآن الكريم تلاوة وحفظا.
يقول علي الجارم:
والضاد، حسب الضاد فخرا أنها كانت لسان الله في فرقانه
هي سؤدد العربي يوم فخاره وقوام نهضته وسرُّ كيانه
من ذاد عنها ذاد عن أحسابه بل عن عقيدته وعن إيمانه
يامحبي العربية
لقد باتت العربية محشورة في ركن ضيق من الساحة اللغوية، ولقد انصرف الناس عن فصحاهم ومالوا إلى التغريب اللغوي، ونظروا إلى العربية نظرة دونية، وراحوا يتشدقون بلكنات أجنبية في تفاخر وانتفاخ.
هذا الواقع يفرض على مؤسساتنا التربوية والتعليمية واجبا وطنيا وقوميا أن تنشئ أبناءها على حب العربية والتباهي بها دون خوف أو حياء، وأن تدفعهم إلى استخدامها في مجالات الحياة كلها باعتزاز وانتماء.
ويفرض كذلك على الأسرة العربية أن تربي أبناءها على مائدة العربية، والدور الأول هنا هو للأم في التي تستطيع أن ترضع طفلها حب اللغة والنتماء إليها وممارستها في حياته.
يامحبي العربية
صدق أمير الشعراء وأنصف حين قال:
إن الذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضاد
نعم إنها لغة الجمال الأخاذ، ولغة البيان الساحر، ولغة الإيجاز المعجز
لغة تتميز بالغزارة والسعة، لغة تتصف بالمرونة والقدرة
لغة استطاعت أن تقاوم عاديات الزمن، وتمكنت من استيعاب كل ثقافات اليونان والهند والفرس، وما زالت تملك من المقومات والخصائص ما يمكنها من مسايرة كل عصر، ومن استيعاب كل مستحدث جديد، وكل مبتكر بديع.
ولكن لا يتم الأمر بالأماني، بل علينا أن نُشمّر عن ساعد الجد، وأن نعمل على أن نكون منتجين للحضارة والمعرفة حتى تصبح لغتنا لغة العلم ولغة الثقافة ولغة الحضارة كما كانت في ماضيها المجيد.
لقد أحاط أسلافنا اللغة العربية بسياج من الحماية والرعاية، لا تعرف اللغات الأخرى له مثيلا، فقد وضعوا- وهم يجمعون اللغة- حدودا زمانية وحدودا مكانية صارمة؛ لتصل إلينا اللغة صافية نقية، ثم أنشؤوا يضعون القوانين النحوية والصرفية والصوتية، ثم ترصدوا لكل لحن يقابلونه بالاستهجان والإنكار، وكان ولي الأمر يعد نفسه مسؤولا عن الأمن اللغوي والأمن الثقافي، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد اللحن ضلالا فيقول لأصحابه حين أخطأ أحدهم في مجلسه " أرشدوا أخاكم فقد ضل " ونستمع إلى عبد الملك بن مروان يقول: "
" اللحن في الكلام كالجدري في الوجه "
ونشأت حركة ضخمة للتصحيح اللغوي تتبع الأخطاء اللغوية عند الخاصة وعند العامة، وألفت كتب مثل:
إصلاح المنطق لابن السكيت، لحن العوام الزبيدي، درة الغواص في أوهام الخواص للحريري، واستمر هذا الحشد التصحيحي حتى عصرنا الحديث الذي زخرت مكتباته بكثير من الكتب التي تصوب الخطأ اللغوي على ألسنة الكتاب والمثقفين والإعلاميين، وأنشئت المجامع اللغوية، والجمعيات التي تهتم بالشأن اللغوي، ويأتي في مقدمة هذه الجمعيات جمعية حماية اللغة العربية بالشارقة المشرقة بالثقافة والعلم، والتي تبذل جهودا مشكورة في صيانة اللغة العربية. ومع كل هذه الجهود فما زالت معاول هدم اللغة العربية تطل برأسها بين الحين والحين، مرة تدعو للكتابة بالعاميات، وتارة تريد استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي، وجاءت الدعوة الأخيرة متعلقة بالأرقام، إذ تزعم أن الأرقام التي نستخدمها هي أرقام هندية، أما الأرقام العربية فهي المستخدمة في اللغات الأوربية.
¥