وهكذا نشأت مريم فتاة عابدة في خلوة في المسجد تحيي ليلها بالذكر والعبادة والصلاة وتصوم نهارها، وتعيش لآخرتها.
المحنة الكبرى لمريم عليها السلام:
كانت المحنة الكبرى لمريم عليها السلام العابدة الزاهدة البتول أن يبشرها الله سبحانه وتعالى بولد منها وهي غير ذات زوج فقالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} وحاولت دفع هذا عن نفسها، ولكن جاءها الأمر الإلهي: {كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً}
فكذلك قال الله، فلا راد لكلمته، وكان أمراً مقضياً فمن الذي يستطيع أن يمنع قضاء الله؟! ولله سبحانه وتعالى شأن في إخراج هذه الآية للناس: امرأة عابدة صالحة تبتلى بحمل من غير زوج يصدقها الصادقون المؤمنون، ويكذبها الكافرون المجرمون، ويكون ابنها الذي قضاه الله وقدره على هذه الصورة المعجزة آية في خَلْقِه، آيه في خُلُقِه، آية في معجزاته، رحمة للناس في زمانه، وبعد زمانه، فتنة لعميان البصائر الذين يغالون فيه فيعبدونه ويجعلونه خالقاً رازقاً مدبراً موجوداً قبل الدهور مولوداً بطبيعة بشرية وهو في ذاته إله من إله!! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ... وهكذا يهلك فيه من اعتقده ابن من الزنا!! ومن اعتقده الإله الخالق وينجو به أهل الصدق والتصديق: {قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً}
مريم عليها السلام تفر من المسجد خوفاً من الفضيحة والعار:
وتخرج مريم عليها السلام من محرابها في بيت المقدس بعد أن رأت حملها في بطنها قد كبر، وبعد أن خافت الفضيحة، تخرج إلى مكان بعيد تتوارى فيه عن الأنظار، وفي بيت لحم يلجئها المخاض إلى جذع نخلة -وهي وحيدة غريبة طريدة- فتضع حملها ولا أم هناك، ولا خالة ولا قابلة!! ولا بيت دافئاً، ولا ستر تتوارى فيه عن أعين الناس إلا هذه الأحراش!! تضع حملها ودموعها تملأ مآقيها، والهموم والآلام تلفها من كل جانب: هم الغربة والوحشة، وفقد الأهل والناصر، والستر وفقد الإرفاق بالوالد، وكم تحتاج الوالد من الإرفاق تحتاج إلى دفء، وحنان زوج، وشفقة أهل، وطعام مخصوص، وفراش، وتهنئة بالسلامة والعافية بالمولود الجديد ... وأما مريم عليها السلام فلا شيء من ذلك وهي تنتظر الفضيحة بوليدها الجديد ..
وعندما تجتمع كل هذه الهموم والمصاعب تتمنى أن تكون قد ماتت قبل هذا الامتحان!! ولم تعش إلى هذه المحنة الشديدة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا، وكنت نسياً منسياً}. (أي شيء متروكاً محتقراً، والنسي في كلام العرب: الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى، فلا يتألم لفقده).
وفي هذه اللحظة التي يبلغ بها الحزن والأسى مداه يأتيها الأمن والأمان والبشرى والإرفاق .. فيناديها مولودها من تحتها: {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً} أي سيداً عظيماً {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً* فكلي واشربي وقري عيناً فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً}
إن مع العسر يسراً:
وهنا تأتيها المعجزات بالجملة فهذا جدول ماء رقراق يفجره الله لها، وهاهي تستطيع وهي والد ضعيفة أن تهز جزع النخلة فيتساقط عليها الرطب رطباً جنيا، وأما القوم وخوف الفضيحة فدعي هذا لنا!! وعليك أنت بالصوم عن الكلام، ودعي هذا السيد العظيم الذي تحملينه يتولى الدفاع عنك، وبيان المهمة التي أرسل بها. قال تعالى: {فأتت به من قومها تحمله، قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً* يا أخت هارون ما كان أبوك امرأً سوء وما كانت أمك بغياً* فأشارت إليه، قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً}، وهنا أنطقه الله ليبين لهم الآية في خلقه على هذا النحو ...
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[05 - 03 - 2007, 11:06 ص]ـ
عائشة بنت أبي بكر الصديق
(ام المؤمنين)
هي عائشة بنت أبي بكر الصديق، عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر
من ولد تيم بن مرة، ولدت السيدة عائشة بعد البعثة بأربع سنين، وعقد
عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة بسنة، ودخل عليها
بعد الهجرة بسنة أو سنتين وقُبِضَ عنها الرسول الكريم وهي بنت ثمان
¥