تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[01 - 08 - 2006, 11:00 ص]ـ

معنى السقوط الحضاري في القرآن:

لعل ما يقصد بالسقوط الحضاري من خلال القرآن ليس هو دائماً زوال الأمم من الوجود وفناء أفرادها في العدم ولكن ما يغني بالسقوط الحضاري هو الانهيار الداخلي للمجتمعات وذهاب قوة الأمم وعزتها وهوانها على الأمم الأخرى، ذلك عندما تذوب في غيرها وتنمحى شخصيتها المعنوية والروحية وهذا ما هو كائن في حياة الأمم التي سقطت حضاراتها. والثابت في تاريخ الإنسانية أن الأمم التي شهدت تلك الإمبراطوريات والحضارات الغابرة لم ينقرض نجمها ويندثر كيانها البشري كلية، وإنما ضعفت واستكانت وغاب تأثيرها المباشر في مسرح الحياة الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فاستوعبتها حضارات أمم أخرى هي أشد وأبقى حتى صارت جزءاً منها لا ينفصل، وأنشئت على أنقاض كيانها الحضاري حضارات جديدة تسلمت علم الريادة ووساد السيادة.

ولعل أوضح مثال تطبيقي في هذه النقطة هو حضارة العرب البائدة كعاد وثمود الذين بلغوا شأناً عظيماً في التحضر حكى القرآن الكريم بعضه للاعتبار ودلت عليه بقايا الدهر وأبحاث التاريخ، والثابت أن هؤلاء العرب العاربة وغيرهم من الأمم الهالكة لم يستأصلوا استئصالاً كلياً تاماً وإنما أهلك الله الظالمين والكافرين منهم وأنجا رسلهم والذين آمنوا منهم ليستمروا في عمارة الحياة.

وقد جرت سنة الله أن يعامل البش حسب ما عملوا، وهذا بصريح قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

فالله عز وجل لا يزيل ما بقوم من العافية والنعمة، والرخاء، والهناء ويبدلها بالآلام والأمراض والنوازل والفتن والأحداث وغيرها من ضروب العقاب الرباني حتى يزيلوا هم ويغيروا فيجحدون النعمة ويعلنون الكفر والمعاصي ويتمردون عن سنن الله في إسعاد البشر ويتظاهرون بالفحش والمنكر والفساد، فتكون النتيجة أن تحل بهم قوارع الدهر، وينزل بساحتهم عذاب من الله.

وآفة الحضارات الجانحة التي نقرأ عنها في بطون التاريخ، أو نجد بقاياها وأطلالها منثورة على جنبات الأرض هي الفساد أو الإفساد في الأرض بكافة أشكاله وأنواعه فساد العقيدة ـ الشرك ـ فساد العلاقات بين أفراد الأمة بترك التوادد والتعاون، مما يؤدي الى العداء والتباغض ثم الظلم، وفساد النفوس بالغرور والتكبر والعجب وهذا هو الفساد الذي ظل القرآن الكريم يكرر الحديث عنه، ويكثر التحذير منه ويلفت نظر الإنسان إلى مغبات التورط في أسبابه وينبه إلى الرزايا والمصائب التي لابد أن يتحملها الإنسان على أعقابه وما فسدت هذه الأرض يوماً ما بعادية من عوادى الطبيعة ولا بسوء آخر ألم بها من هياج الحيوانات والوحوش، وإنما استشرى فيها الفساد وألم بها البلاء يوم تاه بنو الإنسان وخرجوا عن هواياتهم وطبيعتهم وحقيقة خصائصهم البشرية فتأله الأقوياء وذل الضعفاء، وخرج بذلك كل فريق عن حدود إنسانيته، ذلك نحو التعالى والتجبر في الأرض وذاك نحو الخنوع، فتمت بذلك قصة الفساد في الأرض وهي قصة قديمة تتكرر أسبابها أو عواملها في الإنسان ذاته.

كيفية السقوط الحضاري في القرآن:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما عن كيفية سقوط الحضارات ودمار الأمم والمجتمعات فنجد أن أدق العلل وأصغرها، قد تؤدي إلى أعظم النتائج وأخطرها، ويعد عدم وجود صلة ظاهرة منظورة بين صغير العلل وعظيم النتائج من أكثر الحوادث نجاحاً في حياة الأمم وتبدل ظروفها الحضارية سياسياً واجتماعياً، ذلك أن عيون المراقبة والملاحظة عادة ما تغفل الجزئيات وتهمل صغائر الأمور وأدقها، ولعل هذا ما يمكن أن نفسر به تلك المفاجئات في التقلبات السياسية وتبديل القيادات العسكرية في الدول والحكومات، وكثير ما يدخل التاريخ من هذا الباب أناس لا حساب لهم في حس المراقبين واهتمامهم، وقد كانوا يتحركون ويعيشون في منأى عن أنظار خصومهم وفي القرآن الكريم إشارات وتنبيهات إلى هذا، قال تعالى: (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم).

وللتذكير فإن الآية نزلت في قذف عائشة، وقد حسب بعض المؤمنين ذلك هيناً وعقوبته عند الله شديدة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير