[أجواء إيمانية]
ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[22 - 09 - 2002, 11:28 م]ـ
تلاوة عذبة لكتاب الله تنطلق في أرجاء البيت، تعطر المكان بعبير جميل يفوح إجلالا وخشوعا، وذكر يملأ البيت بأريجه العبق ثم يتجاوز حدود الزمان والمكان لينطلق خارجه وينتشر في الحي كله بصوت هادئ جميل ... يكسر الحواجز ويحطم الأسوار، ويتسلل إل القلوب مؤثا فيها أكبر تأثير
صوت المؤذن ينطلق من الإذاعة المرئية أو المسموعة في مواعيده المحددة يشنف الآذان، ويتغلغل بين ثنايا الدماغ فيركع رهبة وإجلالا ويسجد خشوعا وتعظيما للخالق عز وجل ... ثم لا يلبث أن يرسل إشاراته وبأسرع من البرق إلى صاحبه ليلهج لسانه بذكر الله وتكبيره وتوحيده وتسبيحه ... ليردد مع المؤذن ما يقول ... ثم يسبح الله ويتوجه له بالدعاء الخالص النابع من القلب مبتدئا بحمد الله والثناء عليه
توجيهات أبوية حانية تنساب من بين شفاه أغلى مخلوقين في الوجود ... الوالدين ... الوالدين اللذين يعمر قلوبهما الإيمان ... اللذين تمتلئ نفوسهما إحساسا بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهما في إنشاء جيل وتربية نشء ... فنسمع منهما توجيهات بسيطة لا تحمل أوامر ولا نواهي صارمة ... بل هي طككلام رقق يعبر فيه الوالدان عما يريدانه من الابن بأسلوب غير مباشر ... أسلوب حان ودود يتسرب إلى نفسه فتتشربه كما تتشرب قطعة الاسفنج الماء ... إنهمما يوجهانه؟ ... ينصحانه ... يدفعانه للحق والصواب ... يبعدانه عن الخطأ والباطل ... يدعوانه للخير ... يحثانه عليه ... ينهيانه عن الشر؟؟ ينفرانه منه .. يعلمانه من هو، وما هو، لم جاء، وإلى أين ينتهي، ما يجب عليه فعله وما يجب تركه ... وكل هذا ينساب إلى قلب الابن بأسلوب جميل فتتقبله نفسه فورا دون جدال .. بل دون شعور منه بذلك!
بيت مثل هذا ... كم واحدا منه في عالمنا كله؟ بيت مثل هذا ... كيف يمكن أن ينشأ من تربوا فيه؟
طفل مثل هذا ... كم واحدا مثله؟ طفل مثل هذا ... كيف سينشأ وماذا سيكون؟ بل والدان مثل هذين ... أين هما؟ وكم واحدا منهما نجد؟
إن هذه النشأة الصحيحة في مثل هذه البيئة السليمة هي التي تبني الأجيال ... وتهيئ الرجال .. وتصنع العِظام ... وتنشئ الفرسان! فرسان السلم والحرب ... فرسان الليل والنهار ... يعيشون حياة مستقيمة لا عوج فيها ولا اختلال ... فهو قد وهبوا حياتهم لخالقهم في تجارة رابحة معه ... لذلك فهم أينما كانوا وحيثما وجدوا يكونون أقوياء مطمئنين ... يجللهم الوقار ... وتمتلئ النفس هيبة منهم، فتنجذب نحوهم وتعيش معهم فيمسها شيء من قوة هؤلاء ومن سلوكهم ومن سكينتهم وطمأنينتهم، فلا تلبث أن تصبح مثلهم لتأثرها الشديد بهم لما يملكونه من قوة وتأثير ناجمين عن قوة الإيمان ورسوخ الاعتقاد
إن تلك الحياة الإسلامية والتربية الإيمانية المفعمة بروح الود والمحبة والصدق قد أثرت فيهم أقوى تأثير؛ حيث ترعرعت تلك البراعم الصغيرة يظللها الإيمان، وترويها المحبة، ويغذيها القرآن، فأصبحت أزهارا متفتحة للخير، عاملة للحق، ساعية إلى العلا، راغبة في رضا الرمن، ثم انعقدت الأزهار فكان الناتج ثمرا وأي ثمر! فأين نحن منهم؟ وأين نحن منها؟ من هذه التربية الإيمانية الرائعة
أعجزنا عن توفير ممثل ذلك الجو لأبنائنا؟ ولم؟ ... لم كان عجزنا هذا؟
ألا نستطيع أن نربي أبناءنا بتلك الطريقة، ونوفر لهم ذلك العيش الهادئ؟ ألا نريد أن تكون أول كلمة تلامس أسماعهم هي كلمة "الله أكبر"، ثم يعيشون كل حياتهم يسمعونها، ويرددونها، يحيون بها، وعليها يموتون؟ ألا نريد أن يكون صوت مقرئ القرآن ينفذ إلى بيوتنا صباح مساء؟ يذكرنا بخالقنا ... يدعونا إلى ربنا .. يطهر نفوسنا مما شابها من أدران هذه الدنيا التي نحيا فيها ... ألا نريد أن يكون صوت المؤذن هو أول صوت نسمعه عند يقظتنا؟ يدعونا إلى الفلاح ... إلى الوقوف ساعة بين يدي الرحمن ... الذي خلقنا وإليه مرجعنا، وعنده جزاؤنا بما عملنا، وبما علم منا
ما أجل أن تكون حياتنا كلها بالله ... في الله ... مع الله!
ما أجمل أن ينشأ المرء في أجواء إيمانية! يلفها الإيمان، وتعمرها التقوى، ويغلفها الصدق، وتحيطها المحبة!
ما أجمل أن نربي أبناءنا في مثل هذه الأجواء!!! الإسلام طريقهم ... والقرآن دستورهم ... ورضا الله غايتهم .. والعلم والجهاد وسيلتهم
ما أروع أن يكون كتاب الله في قلوب أبنائنا ... يقرؤونه ... يحفظونه ... يطبقونه ... فيكون لهم أفضل ملجأ، وخير زاد، وأغلى كنز!
ما أعظم أن يمضوا في طريقهم ... رافعين رؤوسهم ... معتزين بإسلامهم ... لا يرهبهم عدو، ولا يخيفهم نمرود يتهدد، أو شيطان يتوعد، أو خصم يترصد ... لا يخفضون رؤوسهم لغير خالقهم ... فلا يركعون إلا له ... ولا يتذللون إلا له ... يسألونه وحده الثبات ... ويدعونه بالمغفرة والسداد ... ويطلبون منه التوفيق
هؤلاء هم ممن نريد ... هؤلاء هم من نطلب ... هؤلاء هم من نتمنى ... هؤلاء هم من سيخلصوننا جميعا من الذل والهوان ... ويطهرون قلوبنا من الشوائب والأدران ... وينشرون بيننا الأمن والأمان ... بإذن الله الرحمن
فما أحرانا أن نهيئ لمثل هؤلاء أجواء تساعدهم وتدفعهم نحو الحق، وتربي فيهم الطاعة والصبر والأخلاق الفاضلة الحميدة، وتنزع من نفوسهم الأمراض النفسية والميول العدوانية!
وما أجمل أن ينشأ المرء في أجواء إيمانية!!!
¥