[الدكتور العشماوي والدرجة الأولى ........]
ـ[جد الحروف]ــــــــ[10 - 10 - 2002, 11:49 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لا أرى داعي أن أحدثكم عما حصل للشاعر عبدالرحمن العشماوي
ولكن أدعه هو بنفسه يحدثكم عما حصل معه على طائرة الخطوط السعودية في الدرجة الاولى وإليكم الحديث حيث قال:
حينما جلست في المقعد المخصص لي في الدرجة الأول من الطائرة التي تنوي الإقلاع إلى عاصمة دولةٍ غربية، كان المقعد المجاور لي من جهة اليمين ما يزال فارغاً، بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما يزال فرغاً، قلت في نفسي: أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً، أو أن ييسّر الله لي فيه جاراً طيباً يعينني على قطع الوقت بالنافع المفيد، نعم أن الرحلة طويلة سوف تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح إليه نفسك، ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما تريد!
وقبيل الإقلاع جاء من شغل المقعد الفارغ ... فتاةُ في مَيْعة الصِّبا، لم تستطيع العباءة الفضفاضة السوداء ذات الأطراف المزيَّنة أن تخفي ما تميزت به تلك الفتاة من الرِّقة والجمال .. كان العطر فوَّاحاً، بل إن أعين الركاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى مصدر الرائحة الزكيَّة، لقد شعرت حينها أن مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا كصورتين يحيط بهما إطار منضود من نظرات الرُّكاب، حينما وجهت نظري إلى أحدهم ... رأيتُه يحاصر المكان بعينيه، ووجهه يكاد يقول لي: ليتني في مقعدك؛ كنت في لحظتها أتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) ((ألا وإنَّ طيب الرجال ما ظهر ريحه، ولم يظهر لونه، ألا وإن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه)).
ولا أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف، لقد تساءلت حينها ((لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة))؟ كان الجواب واضحاً في ذهني من قبل: إن المرأة لزوجها، ليست لغيره من الناس، وما دامت له فإن طيبَها ورائحة عطرها لا يجوز أن يتجاوزه إلى غيره، كان هذا الجواب واضحاً، ولكن ما رأيته من نظرات ركاب الطائرة التي حاصرت مقعدي ومقعد الفتاه، قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي: يا ترى لو لم يَفُحْ طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أفعمت جوَّ الدرجة الأولى من الطائرة، أكانت الأنظار اللاَّهثة ستتجه إليها بهذه الصورة؟
عندما جاءت ((خادمة الطائرة)) بالعصير، أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال، وقدَّمته إليَّ، تناولته شاكراً وقد فاجأني هذا الموقف، وشربت العصير وأنا ساكتٌ،ونظرات ذلك الشخص ما تزال تحاصرني، وجَّهت إليه نظري ولم أصرفه عنه حتى صرف نظره حياءً - كما أظن -، ثم اكتفى بعد ذالك باختلاس النظرات إلى الفتاة المجاورة، ولما أصبح ذلك دَيْدَنَه، كتبت قصاصة صغيرة ((ألم تتعب من الالتفات؟))، فلم يلتفت بعدها.
عندما غاصتْ الطائرة في السحاب الكثيف بعد الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى ذالك المنظر البديع، سبحان الله العظيم، قلتُها بصوت مرتفع وأنا أتأمل تلك الجبال الشاهقة من السحب المتراكمة التي أصبحنا ننظر إليها من مكان مرتفع، قالت الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة: إي والله سبحان الله العظيم، ووجهتْ حديثها إليَّ قائلة ً إن هذا المنظر يثير الشاعرية الفذَّة، ومن حسن حظي أنني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحة ًشعرية رائعة لهذا المنظر ...
لم تكن الفتاة وهي تقول لي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة، كلا .. لقد لملمت تلك العباءة الحريرية، وذلك الغطاء الرقيق الذي كان مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة، لقد بدا وجهها ملوَّناً بألوان الطيف، أما شعرها فيبدو أنها قد صفَّفته بطريقة خاصة تعجب الناظرين ...
قلت لها: سبحان من علَّم الإنسان ما لم يعلم، فلولا ما أتاح الله للبشر من كنوز هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة .. قالت: إنها تدلُّ على قدرة الله تعالى ..
¥