[معرض الشارقة للكتاب]
ـ[د. محمد الرحيلي]ــــــــ[17 - 01 - 2003, 11:32 ص]ـ
(عن جريدة الرياض السعودية)
كان طقس معرض الشارقة الحادي والعشرين هذه السنة ربيعياً في عطائه و دلالاته، يحاول أن يقدم عبر الكتاب مساحة من الفعل الإنساني، وإشراقة الأمل الرحب، رغم رعونة العاصفة الهوجاء، إنه طقس ماطر بالخير الذي جادت به السماء، وماطر بالكتب والمؤلفات الإبداعية التي توزعت بين الموسيقى والسياسة والعلم والأدب والثقافة والتاريخ والتراث والتكنولوجيا، طقس مشترك تناغمت فيه المعارف والعلوم التي اعتصرتها العقول والمواهب والإمكانات البشرية والتقت تحت سقف واحد من أجل أن يبقى الكتاب سيد المعرفة الإنسانية.
ما يميز المعرض هذا العام هو المكان الرحب الذي ضم قاعات كبرى، ضمت أربع أجنحة كبيرة بحيث اقترب عدد الناشرين إلى حوالي 900ناشر بين عربي وأجنبي فيما لم يتجاوزو في العام الماضي 650، وقد تابع العديد من المسؤولين والمثقفين والناشرين والجمهور فعاليات المعرض، الذي ظهر أمام الجميع في حلة قشيبة من الكتب ذات الألوان والمضامين المتنوعة، إضافة إلى الأنشطة المصاحبة التي تنوعت بين الثقافة والشعر والفكر مما خلق التواصل الثقافي المعرفي بين زوار المعرض والمحاضرين والشعراء، كذلك كان للأطفال حصة الأسد في المعرض حيث تنوعت المعروضات من كتب أدبية وعلمية وقصص مختلف عربية وأجنبية ووسائل تربوية تنمي القدرات الإبداعية عند الأطفال، يضاف إلى ذلك العديد من الألعاب الهادفة التي تستثير ذكاء الطفل وتعمل على تنمية كافة المهارات النفسية والحركية عنده.
إن معرض الشارقة للكتاب يجسد الحضور النوعي الثقافي للشارقة كواحدة من العواصم العربية الثقافية، ومركز إشعاع فكري علمي على ساحل الخليج، مما جعل من الشارقة مدينة تعبق بالثقافة في ظل هذه المظاهرة الثقافية الفكرية الفنية الكبيرة، ملاحظة أخرى أن حرية النشر في هذا المهرجان الثقافي الكبير متوفرة إلى أبعد الحدود، دون تجاوز القيم الأخلاقية والدينية والثقافية مما عكس سمعة طيبة عن معرض الشارقة للكتاب وكرس هويته ورسالته الحضارية التي بدأها في السبعينات والتي تزداد تألقاً وثراءً وتطوراً مع كل معرض جديد.
إن الحضور الواسع، والجمهور الكبير الذي تدفق على المبنى الأنيق المحاذي لقناة القصباء بالضاحية الجديدة للشارقة يدل دلالة قاطعة على أن الثقافة هي الخندق الأخير الذي تتمترس فيه في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة، وأن الكتاب يمكن أن يجذبهم أيضاً كما ينجذبون باتجاه التلفزيون والتقنيات الحديثة.
معرض هذا العام اقتصر على فعاليات مصاحبة خليجية بحتة عكس السنوات السابقة، ومثل هذا المعرض الذي ينتظره الناس كل سنة وبشغف ينبغي ألا يغفل استضافة الفعاليات العربية والأجنبية المميزة لترسيخ الحضور الثقافي العربي والعالمي في عقول الناس، ونحن نتمنى أن يكون ذلك في دورات مقبلة، وأن يكون هناك حملة إعلانية مسبقة عن مثل هذه الفعاليات ليتسنى للناس الحضور والاستفادة بشكل أكبر، خاصة وأن المبنى الجديد هو مشروع كبير لابد من إغنائه بالتواصل بين القارئ والكتاب.
البعض رأى أن الكتب الأجنبية قلية مقارنة بالكتب العربية في معرض هذا العام الذي ضم أكثر من 100ألف عنوان سيما أن أعداد الأجانب في دولة الإمارات كبير جداً، وهي ملاحظة قيمة، ورغم وجود جناح خاص للكتب الأجنبية ضمن الأجنحة الأربعة التي يتكون منها معرض الشارقة الحادي والعشرين للكتاب إلا أن هذا لا يكفي لسد حاجة الجاليات الأجنبية، واعرب الذين يرون في معرفة اللغات سمة ثقافية تحتمها طبيعة العصر، ملاحظة أخرى تتعلق بالتوقيت الذي جاء في فترة امتحانات الطلبة وهو ما قلص من حجم الزوار، وحرم طلبة المدارس من زيارته في رحلات جماعية كما كان يحدث كل عام.
في هذا المعرض قام سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بتكريم أحمد محمد بو رحيمة ومحمد بن راشد الجروان في إطار جائزة شخصية العام الثقافية.
كما كرم أربع دور نشر عربية هي مؤسسة المعارف ودار المنهل ودار المعارف ومؤسسة أنا بطيط تقديراً لإسهاماتها الواضحة والمتميزة في مجال النشر والثقافة.
دور النشر المصرية لها حضور بارز تليها اللبنانية والإماراتية والسعودية والكويتية والسورية، ومختلف دور النشر في العالم العربي من مشرقه إلى مغربه متواجدة لأن معرض الشارقة للكتاب فرصة ذهبية لترويج الكتاب في المنطقة، وخاصة الكتب والإصدارات الحديثة.
إن الظاهرة الواضحة في معرض الشارقة هو وجود هذا الكم الهائل من الكتب، حيث تضخ المطبعة كل يوم الجديد من الإصدارات في كل صنوف المعرفة والمجالات السياسية والأدبية والاجتماعية والدينية وغيره، ويجد الجميع فرصته في النشر سواء صغار الكُتَّاب أم الكُتَّاب البارزين والمعروفين، وهناك بعض الكتب التي أحسن أصحابها اختيار الموضوعات المناسبة في الكتابة بها من طبع أكثر من مرة في غضون أشهر معدودة، الكتاب في الشارقة أحد السلع الرائجة إن لم نقل أكثر هذه السلع رواجاً.
نرجو من الأخت أنوار الإمارات أن تتحفنا بالمزيد
مجرد رجاء، ولكم جميعا ً صادق التحايا.
¥