تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[حديث الكتب (ذكريات مع الكتب النادرة) [1]]

ـ[د. محمد الرحيلي]ــــــــ[13 - 03 - 2003, 04:47 م]ـ

هذا حديث للذكريات مع الكتب للكاتب حسين بافقيه، نشره في جريدة الرياض

ولروعة ما كتبه أحببت نقله هنا في منتدى الكتاب على حلقات، وإليكم الحلقة الأولى

في بداية علاقتي بالكتاب والقراءة ـ وقد كان ذلك حين جاوزت مرحلة الصبا ـ كان منظر الكتاب يحتل في خيالي مكانة اقرب ما تكون الى القداسة، وكنت أطرب لمرأى الكتب وهي تصطف على أرفف المكتبات، بعنواناتها الناتئة، وأسماء مؤلفيها القدامى الممهورة بألقاب "الحفاظ" و"الامام" وبخاصة أسماء الدين التي كثر استخدامها في اواخر العصر العباسي، وطوال العصر المملوكي، ولا زلت اذكر كم كان اسم الحافظ عماد الدين ابي الفداء اسماعيل بن كثير القرشي يهزني، وقد كان كتابه الشهير في التفسير من أوائل الكتب التي اشتريتها، في مرحلة الشباب المبكر، وما كان لي فيه من رغبة سوى مجلداته الأربعة التي كان منظرها يبهر خيالي، ويمنيني بأمنية الانضمام الى زمرة الأدباء والمؤلفين، فكان ان احتفظت مكتبتي الصغيرة، في أواخر التسعينات الهجرية وفاتحة القرن الهجري الحالي بعدد من الكتب التي ساقني اليها تعرفي الى مكتبة صغيرة تقع في سوق "باب شريف" في جدة القديمة، تعنى ببيع الكتب، وبخاصة الدينية والتراثية، ومن بينها كتاب "فقه اللغة وأسرار العربية" الذي مازالت بعض أطياف قراءتي الأولى له تمر في خاطري، وعلى الأخص، ما له صلة بالاستخدام الدقيق للمفردات التي تدل على الوقت، أو أ

سماء الحيوانات، صغارها وكبارها، والتي تدخل، في زمننا هذا، في باب الأحاجي الرائجة في المسابقات التلفزيونية.

غير أن كتابا لم يبهرني، حينذاك، كما بهرني كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه، بمجلداته الأربعة الضخمة. التي تعرفت من خلالها الى طرف لا بأس فيه من التراث الاخباري والأدبي في تراثنا العربي.

وأذكر ان مما رغبني في قراءة هذه الموسوعة الأدبية الضخمة، ان مسلسلا تاريخيا كان يبث في التلفزيون السعودي، عن ابن عبد ربه، الذي جسد شخصيته بسحر عجيب الممثل اللبناني الكبير رشيد علامة، والذي جعلني لا أستطيع - حتى الآن - أن أتخيل منظر ابن عبد ربه الأندلسي خارج صورة رشيد علامة تلك، وكان ان ارتبط التراث الاخباري العربي في مخيلتي بالعجائبية والغرائبية، التي لم تنفصل عن بلاطات قصور الخلفاء والملوك والولاة.

وفي الطريق إلى شارع قابل - السوق الشهيرة في جدة - شد انتباهي تلك العربة التي يصيح صاحبها مروجا لبعض الأشياء القديمة، وكان من بين تلك الأشياء القديمة التي يبيعها صاحب "الروبابيكيا" الطبعة الأولى من مقدمة الصحاح لأحمد عبدالغفور عطار، والتي يعود تاريخها الى عام 1376ه (1956م) فسرعان ما نقدت البائع بعض الريالات وفزت بذلك الكتاب النادر، ولم أكن حينذاك قد تجاوزت المرحلة المتوسطة من الدراسة، تلك المرحلة التي اشتريت فيها، كذلك، كتاب "العالم ليس عقلا" لمؤلف اسمه عبدالله القصيمي، الذي لم أعرف، حينها، من يكون، غير انه - وان لم افهم كتابه، ابان تلك المرحلة - قد ملك علي شعوري باسلوبه الرائع، ولغته الرفيعة العالية، وصار عبدالله القصيمي، بعد ذلك، محل اعتزازي وفخري على الآخرين ان تعرفت اليه في مرحلة مبكرة من حياتي!

وغدت تلك الكتب الأولى التي ضمتها مكتبتي كتبا نادرة، لارتباطها باللحظات التي تعرفت من خلالها الى العالم، وصارت تسكن في مخيلتي بأحرفها، وألوانها، بل ورائحتها، واحتلت من قلبي مكان الذكريات القديمة، والأمكنة التي أحبها.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير