[جولة بين كتب غريبة]
ـ[د. محمد الرحيلي]ــــــــ[10 - 02 - 2004, 02:46 م]ـ
هناك مثل باكستاني يقول "ترتيب كائنات كابيهلا أصول هيى" وهو يعني - حسب سواق الوالدة - "الترتيب سبق ظهور الكائنات" ..
وهذا المثل تجد له شبهاً في ثقافات كثيرة ويشير ضمناً إلى ضرورة الترتيب والتنظيم قبل البدء والتطبيق ... فالترتيب لايسهل فقط وصولنا بسرعة للأشياء؛ بل ويساعدنا في اكتشاف ثروات ضائعة وخفية؛ فخلال الأسبوع الماضي مثلاً انشغلت بترتيب مكتبتي المنزلية (وهو أمر بقيت أؤجله لثلاث سنوات متتالية) وبعد أن انتهيت فوجئت باكتشاف كتب كثيرة فقدت الأمل بوجودها منذ فترة طويلة؛ فقد اكتشفت مثلاً أنني أملك 23قاموساً للغة الإنجليزية لأنني -ببساطة - كنت أشتري قاموساً جديداً كلما ضيعت القديم. كما اكتشفت مجموعة كبيرة من الكتب التي تتحدث عن (الكتب ذاتها) فوضعتها في قسم خاص بها؛ فهناك مثلاً "نوادر الكتب" و"كتب عجيبة" و"عشرة كتب في كتاب" و"كتب انعطفت بالتاريخ" و"كتب ألفت عن المدينة" و"مائة كتاب غيرت العالم" و"كتب حذر منها العلماء" و"جولة بين كتب غريبة" ...
والكتاب الأخير من تأليف الأستاذ محمد خير رمضان سيكون محور حديثنا اليوم. وهو كتاب صغير بحجمه كبير في فكرته يضم ملخصاً لأربعة عشر كتاباً غريباً من التراث العربي؛ فهناك مثلاً:
كتاب "المؤاكلة" لبدر الدين الغزي الذي جمع فيه 81عيباً يقع فيها الضيوف والمعازيم .. فهناك مثلاً "الزاحف" الذي يهجم على المائدة قبل الضيوف، و"المبعبع" الذي يتحدث واللقمة في فمه فيبعبع كالجمل، و"المفرقع" الذي يضم شفتيه عند المضغ فيسمع لفكيه فرقعة مثل الباب الخرب ..
وهناك كتاب "فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" لمحمد بن المرزبان الذي يتحسر فيه على حال البشر في عصره (رغم أنه عاش قريباً من عصر التابعين) وكيف أن الكلاب حافظت على خصال حميدة افتقدها البشر "هذه الأيام" كالوفاء والإخلاص وصدق العشرة ..
وذات يوم تعثر أبو العلاء المعري بشيخ أعمى فقال الشيخ بغضب: من هذا الكلب؟ فرد عليه المعري: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً .. ومع الأيام تحول هذا الرد إلى تحد بين علماء اللغة (من فيهم يعرف سبعين اسماً للكلب!؟) ولكي يبرئ ساحته من هذه المعرة بحث الإمام السيوطي عن سبعين اسماً للكلب نظمها تحت عنوان "التبرّي من معرّة المعري"!
وهناك أيضاً كتاب بعنوان "عقلاء المجانين" للنيسابوري رتب فيه أنواع الجنون بتدرج دقيق يفوق علم النفس الحديث. فهو يبدأ بالأحمق ثم الأخرق ثم المائق ثم الرقيع ثم اللكع ثم الهجاجة؛ وينتهي بالمعتوه والممسوس والمخبول والأنوَك والذولة والموتة والنطاه والعرهاه والأولق والمهووس .... !!
أما بقية الكتب الغريبة فأتت على النحو التالي:
من نسب لأمه من الشعراء (مثل ربيعة ابن غزالة، وعمر بن الصماء) للأديب محمد بن الحبيب.
وحدائق النمام فيما يتعلق بتربية الحمام، لأحمد الحميمي.
والمردفات من قريش، لأبي الحسن المدائني (وهو عن قرشيات أردفن زوجاً بعد زوج).
والتحفة الأبية فيمن نسب إلى غير أبيه، للفيروز أبادي.
والمراح في المزاح لبدر الدين الغزي وعاب فيه من ذم المزاح واستشهد بمزاح الرسول والصحابة الكرام).
والمختار في كشف الأسرار (ويكشف فيه الجوبري عن مهن غريبة مثل تدريب المردان وكشف الجان واقتلاع الدود من الأجفان).
ومعجم ما تبقى من الأشياء للعسكري (وهو مفيد لمن لا يعرف اسم ما تبقى بآخر القدر من المرق واللبن والعسل).
وخطبة واصل بن عطاء التي تجنب فيها حرف الراء (بسبب لدغة في لسانه).
ومن توفي عنها زوجها فأظهرت الغموم وباحت بالمكتوم (حيث لا وفاء وخيانة أكبر من فضح المستور)!
وأخيراً، الكتاب المشهور "الروح" لابن قيم الجوزية ..
ما أحزنني حقاً أنني اشتريت هذا الكتاب قبل أربع سنوات ولكنني لم أطلع عليه إلا بعد ترتيب المكتبة .. وصدق من قال: "ترتيب كائنات كابهيلا اصول هيى"!!
هذا نص مقال الرائع فهد الأحمدي بجريدة الرياض الثلاثاء