تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[منهج الشيخ حمد الجاسر في تحقيق النصوص القديمة ونشرها]

ـ[ناصر الكاتب]ــــــــ[12 - 02 - 2004, 12:34 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: د. أحمد بن محمد الضبيب

التاريخ:12/ 9/2003

يستطيع الدارس لجهود الشيخ حمد الجاسر العلمية أن يستشف موقفه من قضية المنهج في نشر التراث العربي من خلال أمرين:

1 - الأعمال العلمية التراثية التي نشرها.

2 - النقد الذي وجهه لبعض الأعمال المنشورة من كتب التراث.

وبتدبر ذلك يتبين للباحث أن لدى الجاسر منهجًا واضحًا لإخراج كتب التراث، قد لا يخرج كثيرًا عن المعروف المألوف لدى جمهرة المحققين، لكنه يؤكد ذلك المنهج ويلتزم به في معظم الأحيان، بل ويحاسب الآخرين بموجبه. وهذا يدل على أنّ الرجل لا يصدر فيما نشره من كتب التراث عن اجتهاد عشوائي فيه -كما نجد عند بعض الناشرين- ولكنه يصدر عن منهج يهدف إلى التجويد، ويصدر عن رؤية واضحة لما ينشره من الكتب، بل كان في هذه الرؤية متمردًا على السائد في مجتمعه وفاتحًا الطريق لغيره كي يسيروا على منواله، كما سنرى فيما بعد.

الهدف من التحقيق

يرى الجاسر منذ البداية أن الهدف الأساس من تحقيق كتاب التراث هو إخراجه بصورة يكون فيها مطابقًا لما وضعه عليه مؤلفه دون زيادة أو نقصان، وقد أشار إلى ذلك في مناسبات عدة منها قوله: "من المدرك بداهة أن معنى (تحقيق الكتاب) التحقق والتثبت من أنّ ما ينشر منه مطابق حقًّا لأصله، كما وضعه مؤلفه بدون زيادة أو نقصان، أو تغيير في النص، أو تحريف له، متى كان لأصل ذلك الكتاب من النسخ ما يصح الاعتماد عليه وإن لم يكن ذلك فلا أقلّ من أن يطابق المنشور النسخة المخطوطة الموثوق بها، إن كان لأصل ذلك الكتاب نسخ، أو كانت النسخة الوحيدة إن لم يكن سواها" (1).

إنّ تعريف الجاسر ذاك جاء في سياق الاهتمام بالنص قدر الإمكان، وعدم تدخل المحقق فيه بالحذف أو الإضافة، أو تغيير ترتيبه، أو إقحام ما ليس منه فيه، بحجة إصلاحه أو جعله مفهومًا لعامة القراء. ولذلك نجده ينتقد بشدة عمل المحققين الذين باشروا نشر كتاب تاريخ الإسلام للذهبي في مركز تحقيق التراث بالقاهرة، فهو يقول: "لقد استغلق عليهم فهم كثير من العبارات الواضحة، إما لعدم دربتهم على قراءة المخطوطات، أو لقصور فهمهم، فما كان منهم إلا أن غيّروا بعض الكلمات في مواضع، وزادوا كلمات في مواضع لا تستدعي الزيادة، ميزوها بأن أشاروا في الهوامش إليها، مع وضع بعضها داخل مربعين [ .. ] وحذفوا حروفًا أو كلمات لم يستطيعوا قراءتها (2).

وفي مراجعته لكتاب تاريخ المدينة لابن شبة النميري نجده ينتقد بشدة عمل المحقق لفرط استعماله بعض مصادر التاريخ وإقحام ما جاء فيها في صلب كتاب ابن شبة، قائلاً إنه "اتخذ منها مادة يرجع إليها لإكمال ما يراه من نقص في مباحث الكتاب، وهو نقص في المخطوطة، كان عليه أن يشير إلى مواضعه بدون أن يتصرف في أصل الكتاب فيلحق به ما ليس منه بحيث لا يستطاع القول بأنّ النص الوارد في مطبوعة كتاب ابن شبة هو من كلام ابن شبة نفسه" (3).

وهكذا فالمساس بالكتاب المحقق من حيث مضمونه أو صورته التي تركها عليه مؤلفه يعدّ عبثًا غير مقبول عند الجاسر، وقد توصّل إلى هذه النتيجة منذ عهد مبكر من حياته العلمية. ففي سنة 1365هـ/1945م نشر بحثًا في مجلة المنهل تناول فيه معاجم الأمكنة عند العرب، وفي هذا البحث انتقد صنيع الأستاذ مصطفى السقا في نشره لكتاب معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري؛ فقد كان من أهم مآخذه على هذه النشرة قيام الأستاذ السقا بتغيير ترتيب مادة الكتاب وجعلها حسب ترتيب الحروف في المشرق، مع أنّ البكري رتّب كتابه على حسب ترتيب الحروف في المغرب، الأمر الذي أحدث خللاً في ترتيب مادة الكتاب نفسها، وخاصة عند إحالة المؤلف إليها، كأن يقول: "مذكور في الرسم الذي قبله" مع أنّ المادة في الترتيب الجديد تأتي بعد هذا الموضع لا قبله (4).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير